يحاول العهد الجديد في لبنان تصويب وتصحيح مسار العلاقة بينه وبين إيران وفق قواعد متفق عليها، وضمن الضوابط والمواثيق الدولية.

ولكي نضع السكة على الخط السليم، نحتاج إلى قراءة متأنية وموضوعية عن مسار هذه العلاقات. الدكتور خالد الحاج، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر في الجامعة اللبنانية والحاصل على دراسات عُليا في هندسة الاتصالات والمعلوماتية، أقدم على محاولة جريئة بعيداً عن الروايات الرسمية، بعمل دراسة أكاديمية لكتابة المسار الخفي للعلاقات اللبنانية - الإيرانية، بدءاً من المشروع الأخضر أيام الشاه، وصولاً إلى طوفان الأقصى.

Ad

اعتمد الكتاب، والصادر حديثاً عام 2025 عن دار جريدة النهار اللبنانية، وهي دار نشر معروفة برصانتها وكُتبها القيّمة، على مجموعة من الوثائق الأميركية السرية والمفاوضات غير المعلنة، ومن حيث المراجع والمصادر، فقد خصص لها نحو 300 صفحة من أصل 717 للكتاب، إضافة إلى الوثائق التي تُنشر لأول مرة.

الدكتور خالد الحاج أستاذ أكاديمي يُعالج موضوعاً حساساً جداً، نظر فيه برؤية الأستاذ الجامعي غير المؤدلج، أمسك بالموضوع لفهم العلاقات اللبنانية - الإيرانية من أرشيف المخابرات الأميركية، ومحاضر اجتماعات البيت الأبيض ووزارة الخارجية، وتقارير السفارة الأميركية في بيروت، والوثائق الرسمية الإيرانية، ومحاضر اجتماعات في طهران.

يرصد وبدقة تحوُّلات العلاقة بين بيروت وطهران منذ بداياتها في عهد الشاه، وصولاً إلى قيام الثورة الإسلامية عام 1979 وما تلاها، مروراً بمحطات مفصلية.

تأثرت العلاقات بين البلدين بعلاقة إيران مع الدول العربية عامة، والخليجية منها خاصة، وهذا الأمر تكرَّر في مرحلة حُكم الشاه وبعد عام 1979.

يُشير المؤلِّف إلى أن أكثر المؤيدين لتطوير العلاقة مع إيران زمن حُكم الشاه محمد رضا بهلوي كانوا من أبرز الزعماء المسيحيين، كالرئيس كميل شمعون، ورئيس حزب الكتائب بيار الجميل.

يعرض وبالتفصيل قضية قبض السُّلطات اللبنانية على قائد جهاز المخابرات (السافاك) تيمور بختيار في بيروت عام 1968، وهي واحدة من أكبر الأزمات السياسية التي وقعت أثناء حُكم الشاه، بعدما اكتشفت السُّلطات اللبنانية في مرفأ بيروت سيارة تحتوي على أسلحة يقودها مرافق لبختيار... حُوكم في بيروت، ووُضع بالسجن مدة 9 أشهر.

أزمة ثانية ربطت بين تصريح المرحوم الشيخ جابر العلي الصباح عندما كان وزيراً للإعلام بعد زيارته جمال عبدالناصر في القاهرة، ووصوله إلى بيروت، وكلامه المنشور في الصحف الصادرة آنذاك، أنه لن يحدث تقارب بين مصر وإيران ما دامت أراضي إيران مسرحاً للنشاط الصهيوني، ومن ثم دخول سفير إيران على خط هذا التصريح، مما استدعى طرده من الأراضي اللبنانية، وفق بيان لوزير الخارجية جورج حكيم، وما اعتبرته الحكومة اللبنانية خارجاً عن اللياقة الدبلوماسية، وكانت أول حادثة من نوعها تحصل في لبنان منذ استقلاله عام 1943.

موضوعات شائكة تناولها الكتاب، منها: علاقة الصحافة اللبنانية بجهاز المخابرات الإيراني (السافاك) وموقع صاحب جريدة الحياة كامل مروة منها، وقضية السيد موسى الصدر في إيران واختفاؤه من ليبيا عام 1978، وعلاقة إيران بإسرائيل في مرحلة محمد مصدق، وقصة السجاد العجمي والتنباك العجمي في لبنان، وعلاقة شيعة لبنان بإيران، والوجود الإيراني في لبنان بعد حُكم الخميني إلى الآن، ودور طهران بتمويل حركة حماس والحرس الثوري وصِلته بحزب الله.