على الرغم من الاهتمام الكبير الذي تُبديه وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، وانتشار مراكز التحفيظ والتجويد في مختلف مناطق الكويت، فإن هناك فجوة حقيقية في ربط هذه الجهود بالمجتمع بصورةٍ أوسع وأعمق، خصوصاً على صعيد الشباب والنشء.
لقد شهدت الكويت، ولله الحمد، حراكاً طيباً في هذا المجال، من خلال إقامة المسابقات القرآنية المحلية والدولية، رسمية وأهلية، تقدم فيها الجوائز المادية والمعنوية السخية، تخرج جيلاً مميزاً من حفظة القرآن وقرائه، ممن يمتلكون أصواتاً ندية وأداءً متميزاً. ومع ذلك، فإن تأثير هذه المواهب لا يتجاوز نطاق الفعاليات الموسمية، ولا يُستثمر بما يليق بقيمة القرآن الكريم، وقُدرته على تهذيب النفوس وتعزيز القِيم الأخلاقية.
في واقعنا الحالي، يعيش الشباب الكويتيون، والمجتمع عموماً، تحديات ثقافية متسارعة، يأتي معظمها من وسائل التواصل الاجتماعي، والألعاب الإلكترونية، والمنصات الغربية التي تبث أنماطاً من السلوكيات والثقافات التي قد لا تنسجم مع قيمنا الإسلامية.
في ظل هذا، يُصبح من الضروري أن نفعِّل دور القرآن الكريم، لا كمنهجٍ روحي فحسب، بل كرافعة ثقافية وأخلاقية، تُسهم في إعادة التوازن والهوية الإسلامية إلى شخصية الشاب الكويتي.
من المؤسف أن مسابقات التجويد والتحفيظ، ورغم ما تحققه من نجاح، لا تلقى الاهتمام الإعلامي الكافي، حيث تتوقف التغطية غالباً عند إعلان أسماء الفائزين، من دون أن تُخصص برامج دائمة تتابع وتتبنى هؤلاء القرَّاء، وتقدِّمهم كنماذج وقدوات تُحتذى، خصوصاً بين أوساط المراهقين والشباب.
في المقابل، نلاحظ أن بعض الدول الإسلامية خصصت ملاعب ومسارح كبرى لهذه المسابقات، وجعلتها ضمن برامجها الوطنية الثقافية، بل عمدت إلى تخصيص ساعات من البث المباشر عبر القنوات الفضائية لمتابعة فعاليات تلك المسابقات، وعمدت أيضاً إلى تسجيل الأصوات المميزة لبثها في الإذاعة والتلفزيون على مدار الساعة، لتصبح جزءاً من الذاكرة الجماعية، وضمن ثقافة المجتمع اليومية.
القرآن الكريم ليس فقط كتاب تلاوة، بل تدبُّر ومنهج حياة. ومن هنا، فإن الاهتمام الحقيقي يجب ألا يتوقف عند الاحتفاء بحفظته في المناسبات، بل لابد من تحويلهم إلى مؤثرين فاعلين في المجتمع، يشاركون في المدارس، والجامعات، والبرامج الإعلامية، والمنصات الرقمية، لبثّ القِيم، وتعزيز الأخلاق، وترسيخ الهوية الإسلامية في وجه تيارات التغريب.
كما أن تعزيز مكانة التجويد والقرَّاء في ثقافة المجتمع الكويتي يفتح الباب لغرس قِيم الإتقان، والانضباط، والجمال الروحي، وهي كُلها مكونات ضرورية لبناء جيلٍ قوي في أخلاقه، ناضج في تفكيره، معتز بهويته الإسلامية.
ودمتم سالمين