قدم نائب رئيس الجمعية الكويتية للتراث الباحث البحري نواف العصفور ندوة «وقفات مع التراث البحري الكويتي»، أمس الأول، بحضور رئيس جمعية الخريجين إبراهيم المليفي، ونخبة من المثقفين وأعضاء الجمعية، ضمن فعاليات «معرض الكتاب الصيفي» بدورته الثامنة، الذي تقيمه الجمعية، والتي تحدث خلالها عن تنوع السفن الكويتية في الشكل والحجم، لافتا إلى ضخامة بعض السفن الشهيرة وتميزها بالجمال والإبداع اللافت للأنظار.
وأدار الندوة أمين صندوق جمعية الخريجين محمد المنيخ، وقال في مقدمتها إن المتحدث في ثالث فعاليات «معرض الكتاب الصيفي» بدورته الثامنة نواف العصفور واحد من أهم الباحثين البحريين في الكويت، ونائب رئيس اللجنة الوطنية للمتاحف، وصاحب إصدار «ذكريات من الماضي... السفن الشراعية الكويتية»، و«السفن المستخدمة في الكويت».
الشخصية الكويتية
وأضاف المنيخ أن التراث البحري الكويتي شكّل جزءا كبيرا من الهوية والثقافة المحلية والاقتصاد الوطني، ولذلك تستعرض الندوة نشأة وتطور هذا الإرث والشخصية الكويتية، ليس في الماضي فقط، ولكن حتى الآن يعتبر هذا التراث له مساهماته في ازدهار وتنوير المجتمع ونمو اقتصاده، موجها سؤاله للعصفور: «كيف انعكس البحر على حياة الكويتيين وهويتهم الاجتماعية والثقافية، فضلا عن اعتباره أحد مكونات الاقتصاد الكويتي الأساسية؟».
في البداية، توجه العصفور بالشكر إلى جمعية الخريجين على استضافة الندوة قائلا: «الكويت القديمة بلدة صغيرة تطل على ساحل البحر، وكان هو متنفسها الأول والوحيد في إحدى الفترات، فنشأت صناعة السفن على يد القلاليف، وهم أول من حركوا الاقتصاد الكويتي من خلال صناعة السفن ذات الأنشطة المتعددة، ومنها الغوص على اللؤلؤ وأخرى لصيد الأسماك، فضلا عن سفن جلب المياه من شط العرب، نظرا لطبيعة الأرض الكويتية التي كانت تفتقر إلى المصادر الطبيعية للمياه العذبة، فيما عدا بعض الآبار المتفرقة ومياه الأمطار، إلى جانب سفن مخصصة للتجارة وجلب البضائع من الدول المجاورة، وصولا إلى الهند».
موسم الغوص
وأفاد العصفور بأن موسم الغوص مدته 4 أشهر، وبعدها يتم رفع سفن الغوص إلى السواحل وتنتهي مهمتها حتى الموسم المقبل، وأقدم سفن الغوص هي سفينة «البتيل» التي تشبه سفن الحضارة الفرعونية والفينيقية بمقدمة بيضاوية وتسمى الطبق وبداية منحنية ومؤخرة مرتفعة وقليلة الغاطس وسريعة، وكانت تستخدم للغوص على اللؤلؤ، ويستخدمها أيضا أمراء الغوص الذين كانوا يقضون في خلافات البحارة ويعلنون انتهاء موسم الغوص، وكان من أشهرهم راشد الرومي وبن تمام.
وأشار إلى نوع آخر من السفن تسمى سفينة «البقارة» التي تشبه سفينة البتيل، ولكنها تختلف عنها في شكل المقدمة التي تشبه «الخرطوم» نتيجة انحنائها، مضيفا أن هذه السفن اختفت وطرأ عليها التطور في ذلك العصر لتظهر سفينة «البوم» و«السمبوك» و«البغلة» و«الجالبوت» و«الشوعي» و«الأبلام»، وكل منها لها شكل مميز يختلف في المقدمة والمؤخرة.
أكبر السفن
وأوضح العصفور أن أكبر سفن الغوص بالكويت كان السمبوك «منصور» لصاحبه التاجر الطواش عبدالرحمن الرومي، وفي عام 1937 وثق أحد الرحالة وصور هذا السمبوك وحجمه وجماله وضخامته، حيث يحمل بين 80 و90 بحارا، مضيفا أن أكبر سفن الغوض على مستوى الخليج هو البوم «نايف» لصاحبه عبدالله بن ناصر بورسلي، الذي تميز بضخامته، ولكن للأسف لم يتم توثيقه أو تصويره، ولكنه موجود في أحاديث النواخذة قديما وضخامته، حيث يتسع لأكثر من 100 بحار.
ولفت إلى أن سفينة «البغلة» تشبه السفن البرتغالية ذات المؤخرة المربعة وبها 4 نوافذ، ومقدمتها منخفضة وتسمى بالقبيت، وكانت تتميز بالهلال والنجمة نسبة للعلم العثماني، الذي كان يعلق على السفن الكويتية، «وتم توثيق ذلك في أحد كتبي»، أما السفن السفارة فتتنوع أحجامها وتتميز بالكفاءة والسرعة، وفي رزنامة النوخذة خالد العسعوسي ذكر أن السفينة البغلة الصغيرة تسمى «الشوعي»، وأن البغلة نظرا لتكلفتها الكبيرة تم استبدالها بالبوم السفار نتيجة كفاءتها وقلة تكاليفها، وذلك في عهد الشيخ مبارك الصباح.
شط العرب
وأشار العصفور إلى أكبر وأشهر بوم سفارة بالكويت وهو بوم «فتح الكريم» للتاجر يوسف الصقر، وكان يدخل إلى شط العرب لتحميل التمور، ونظرا لضخامة حجمه كان يجد صعوبة في الخروج من شط العرب، وهو موثق بالصور، مضيفا أن هناك سفنا أخرى شهيرة وكبيرة في التراث البحري الكويتي، مثل «فتح الخير، طارق، بن رشدان».
وأكد أن السفن الكويتية لم تكن فقط متعددة الأغراض والأحجام، بل كانت أيضا تتميز وتتنوع في جمالها وحجم الإبداع في صناعتها، فقد أبدع الكويتيون في صناعة سفنهم وانتقاء أجود الأخشاب من الهند، ثم صناعتها بحرفية عالية وإضافة النقوش والدهانات والبروز وغيرها من عناصر تجميل الخشب.
أعراس الأفارقة
وقال العصفور إن النوخذة عيسى بشارة تحدث حول الجمال اللافت لهذه السفن، حتى أن الأفارقة كانوا يقيمون حفلات الأعراس على السفن الكويتية، نظرا لجمالها الخلاب، وأنها كانت تلفت الأنظار في السواحل الهندية فيسألون عن الشركة المصنعة لها نتيجة أناقة تلك السفن، وكذلك أناقة البحارة الكويتيين خاصة خلال تقديم العرضة الكويتية التي كانت تبهر الجميع.
وألمح إلى أن ازدهار صناعة السفن البحرية في الكويت ظل لعقود حتى انتهى عصر الشراع، وكان آخر بوم يحمل اسم «المهلب»، وقد طلب الشيخ عبدالله الجابر من صاحبه ثنيان الغانم وضعه في ثانوية الشويخ، وتم إهداؤه للمعارف، ثم انتقل إلى متحف الكويت، ومع الأسف تم حرقه في فترة الغزو العراقي الغاشم، وبعد تحرير الكويت عثر د. يعقوب الحجي على بوم «فتح الخير» التي صنعها علي عبدالرسول عام 1938، وقادها النوخذة عيسى بشارة، وكانا على قيد الحياة في ذلك الوقت، كما تم العثور على غيرها من سفن نقل الماء.