قبل بضعة أشهر تعطلت وحدة التبريد عندي، فاحتجت إلى أخرى جديدة، وأخبرني شقيقي محمد (بوصالح)، أن أختار ما يناسبني حتى يشرف على عملية التركيب، فبدأت رحلة البحث.

ولأنني من أولئك الذين يفضّلون التسوق «أون لاين»، فقد قمت بعمليات فرز ومقارنات متكررة، وأكثر ما كنت أركّز عليه هو جانب المواصفات في المنتج، وأبرز ما كان يلفتني ما يُسمى بخاصية التنظيف الذاتي! ورحت أتخيّل وأحلم بجهاز ينظف نفسه! خاصة تلك الألواح الشبكية التي يتكدس فيها الغبار وتتطلب الإزالة والتنظيف، وأرسم في مخيلتي عناصر وتقنية جديدة تقوم بالمهمة نيابة عنّي!

في الحقيقة... لا يوجد جهاز قادر على التحكم بنفسه خارج نطاق توجيهك وتعليماتك! بل ومتابعتك وضبطك. فحتى غسالة الملابس وغسالة الأطباق، تتراكم فيهما الرواسب، ويتطلب هذا الأمر عملية خاصة ومنظفات محددة لأداء المهمة، لكونها تسبب مشكلة تعوق أداء الجهاز لوظيفته، وقد يتسبب ذلك بأذيّة وتلف! ولا ننسى أبداً أن الأجهزة متصلة بتيار كهربائي له أجزاء وتمديدات معيّنة تجب فيها مراعاة شروط السلامة، وأخرى يتزامن معها سحب وتصريف للمياه.

Ad

ورغم تطور الصناعات وهيمنة التكنولوجيا لتسهيل الحياة وتوفير الوقت والجهد، فإن المسؤوليات لا تنتهي، السيارة مركبة تنقلك من موقع إلى آخر، لكنها لن تتحرك إلّا بتطبيق حركي للقيادة، مع مراعاة قوانين المرور وحق الطريق واختيار أي اتجاه تسلك ومتى تغادر المنزل! حتى لو استقللت وسيلة مواصلات أخرى، ستظل أنت المسؤول عن الاستعداد والركوب، سواء كانت هذه المركبة على الأرض أو في البحر أو الجو!

لا يمكن للأمور أن تتم من تلقاء نفسها، ولا تتوقع للمهام أن تُنجَز إذا لم تثابر وتعمل فعليا لإنجازها. وما علاقة ذلك بالتنظيف الذاتي؟ نحن جميعا بحاجة إلى القيام بتنظيف أفكارنا، وما يشوب خواطرنا، نحتاج إلى تنظيف ذاتي خاص ومنفرد حول ما يدور في أذهاننا، ما نعتقده عن المواضيع والمواقف، انزعاجنا وقلقنا! نحتاج إلى أن ننفض غبار أحزاننا القديمة، تجاربنا الأليمة، أن نتفاءل، ننطلق ونعيد صياغة المفاهيم، نتعرف ونستكشف من جديد! مهما مرّت الأعوام واختلفت المواقع، أو تكررت!

نحن مسؤولون عن التنظيف الذاتي، لأنه متعلق بنا شخصيا، وعليه يتوقف نمونا.

لن يقوم أحد بهذا نيابة عنّا، ولن يساعدنا أحد إذا لم نقبل المساعدة ونؤمن بها، فالتعلم والاكتساب والتحسُّن والازدهار كلها اختيارات تأتي بالوعي والرغبة والسعي المتجدد.