قال لي عزيز (صديق ابني): أنا غير مقتنع بأن المقاطعة ستُحدِث تغييراً في المشهد السياسي، فقلت له: نعم؛ إذا مارسناها بشكل عاطفي أياماً ثم رجعنا إلى ما كنا عليه. فهذه ليست مقاطعة كاملة. فقد أثبتت التجارب يا عزيز أن الالتزام بالمقاطعة الاقتصادية من أقوى أسلحة الشعوب، فحين عزف الناس عن منتجات الشركات الداعمة للاحتلال تهاوت الأرباح وأُجبرت بعض الشركات على إغلاق فروعها، بينما انتعش المنتج المحلي وصار خياراً أولياً للمواطنين.

ولكني سأخبرك بأشياء أبعد من ذلك، بمفاهيم تجعل المقاطعة في نظرك أعمق من مجرد ضغط اقتصادي عابر. هل تعلم أن في المقاطعة اختباراً خماسي الأبعاد لشخصياتنا وقيمنا؟

Ad

أولاً: المقاطعة اختبار لمدى ثقافتك ووعيك؛ فالمثقف المطّلع يوقن تماماً أن المقاطعة سلاح قديم، استخدمته الشعوب لمقاومة خصومها والضغط عليهم. ولا تزال تستخدمها الدول الكبرى كعقوبة اقتصادية على الدول المخالفة، فالمثقف الواعي بما يجري لا يقبل أن يكون مستهلكاً سلبياً، فهو يدرك تماماً أن تحويل القوة الشرائية من يد العدو إلى يد الوطن هو في ذاته انتصار مزدوج، فهو إضعاف للعدو المسيطر علينا اقتصادياً، وتعزيز للمنتج الوطني والاكتفاء الذاتي.

ثانياً: اختبار لصبرك وصمودك؛ فالمقاطعة ليست أسبوعاً عاطفياً وكفى، بل هي ثبات على المبدأ، وتحدٍّ للمغريات والإعلانات والرفاهية التي تحيط بنا من كل جانب، فالثابت على المبدأ لا يتنازل عنه من أجل «صمّونه» أو كوب قهوة، بل يستمر ثابتاً ولو وقف وحيداً في مواجهة التيارات الاستهلاكية الجارفة.

ثالثاً: اختبار لعزة نفسك وكرامتها؛ فكيف ترضى أن تملأ بيتك بمنتجات تموّل قتلة الأطفال والنساء؟ ألا تشعر بأنها خيانة للدماء الطاهرة في فلسطين؟

هم يراهنون على ترفنا وضعفنا وتعلقنا بمنتجاتهم، وأننا أضعف بكثير من أن نقاطع الرفاهية الزائفة التي قدموها لنا، فهل تقبل أن تكون صيداً سهلاً بيد المنتجات الغربية التي تدعم الاحتلال؟ ألا ترى كل هذه الفخاخ المغرية المنصوبة لأجلك، فهم يراهنون أن تأثير منتجاتهم في نفوسنا أقوى من عزة نفسك وكرامتها... فهل تقبل بذلك؟!

رابعاً: المقاطعة اختبار لانتمائك وأصالتك؛ لأن اختيارك للمنتج الصديق أو دعم المنتج الوطني البديل، دليل على قوة انتمائك واعتزازك بهذه المنطقة وهذه الثقافة وهذا الامتداد العربي، فالداعم للمنتج الوطني أو الصديق، يقول لنفسه قبل أن يقول للعالم: أنا ابن هذه المنطقة، وهذه هويتي وهذا مكاني، وهذا أكلي وشربي، وهذا لباسي، وهذه منتجاتي العزيزة على قلبي التي صُنعت بأيدي أبناء بلدي.

خامساً: المقاطعة اختبار لدينك وإيمانك؛ فقد أفتى الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بوجوب المقاطعة الاقتصادية لكل من يدعم الكيان الإسرائيلي، وقد سبقهم في هذه الفتوى الإمام ابن سعدي والألباني وابن جبرين وغيرهم في مفهوم مقاطعة الأعداء بشكل عام.

يقول الإمام عبدالرحمن السعدي: «من أنفع الجهاد وأعظمه مقاطعة الأعداء في الصادرات والواردات»، وقد وصف المقاطعة الاقتصادية بأنها «ركن عظيم من أركان الجهاد».