في سابقة هي الأولى منذ سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024، نفذ جيش الاحتلال الإسرائيلي ليل الأربعاء – الخميس عملية إنزال جوي في موقع عسكري استراتيجي بجبل المانع جنوب دمشق، استمرت أكثر من ساعتين، وشاركت فيها 4 مروحيات، وأسفرت عن سقوط قتلى وجرحى من عناصر الجيش السوري، وتدمير آليات عسكرية في سلسلة غارات جوية مكثفة سبقت الهجوم.

ووفق مصادر سورية ووكالة الأنباء الرسمية (سانا)، فإن وحدات الجيش السوري عثرت الثلاثاء على أجهزة مراقبة وتنصت إسرائيلية، مزروعة في الموقع، الذي كانت تستخدمه القوات الإيرانية وميليشيا «حزب الله» اللبناني، وعند محاولة التعامل معها تعرضت لهجوم جوي مباشر أدى إلى مقتل 6 جنود وتدمير آليات عسكرية، موضحة أنه في مساء اليوم التالي (الأربعاء) تعرضت المنطقة لقصف جديد وغارات بالطائرات المسيّرة، قبل أن تهبط مظلات لمجموعة من القوات الإسرائيلية، وتبدأ عملية إنزال وتفتيش داخل القاعدة السابقة.

Ad

وأكدت المصادر أن الإنزال وقع تحديداً في منطقة جبل المانع، التي كانت في الماضي قاعدة رئيسية للدفاع الجوي ومستودعاً ضخماً للصواريخ البعيدة المدى، يستخدمها «حزب الله» والقوات الإيرانية الداعمة لحكم الأسد، وأشارت إلى أن المروحيات الإسرائيلية أقلّت عشرات الجنود مع معدات بحث متطورة، ونفذوا عملية مداهمة للمنشآت القديمة، شملت مستودع صواريخ وراداراً عسكرياً كان جزءاً من شبكة الدفاع الجوي السورية السابقة.

الموقف الإسرائيلي

وفي تأكيد صريح لتوسيع نطاق العمليات داخل الأراضي السورية، قال وزير الدفاع يسرائيل كاتس إن «قواتنا تعمل في جميع ميادين القتال ليل نهار، من أجل أمن إسرائيل».

ورغم رفض جيش الاحتلال التعليق رسمياً على العملية، ذكرت قناة «كان» العبرية أن الهدف كان قاعدة دفاع جوي قديمة، استخدمتها إيران في عهد الأسد، في حين أكد المرصد السوري أن هذه العملية الأولى من نوعها استهدفت مستودع صواريخ ومنظومة رادار كانت قيد الاستخدام سابقاً.

وقال المرصد إن «الإنزال جرى قرب جبل المانع، الذي كان في السابق موقعا لقاعدة رئيسية للدفاع الجوي، تشغّلها إيران، قبل أن تدمرها إسرائيل قبل سقوط حكم الأسد، واستهدف محطة رادار (SK) الكورية التابعة للفوج الرابع، إضافة إلى مستودع ضخم لصواريخ كان يستخدمه سابقا حزب الله من طراز إيغلا-إس إيه 18»، التي تعد من أخطر مضادات الطائرات المحمولة على الكتف.

وفي وقت سابق، أعلنت وزارة الخارجية السورية مقتل 6 جنود على الأقل في الهجوم الأول، فيما تحدثت مصادر إعلامية عن 7 قتلى آخرين خلال الغارات اللاحقة. وأوضحت «سانا» أن الطائرات المسيّرة استمرت في منع فرق الإنقاذ من الوصول إلى الموقع حتى مساء أمس الأول الأربعاء، قبل أن يتمكن الجيش السوري من تدمير بعض المنظومات وسحب جثامين القتلى.

بدورها، أوضحت مصادر وكالة رويترز أن العملية الإسرائيلية جرت دون اشتباك مباشر مع القوات السورية، وركزت الوحدات المهاجمة على تفتيش وتدمير أهداف محددة داخل القاعدة ثم انسحبت عبر المروحيات.

واتهم مصدر حكومي سوري إسرائيل بزرع أجهزة تجسس في خرق واضح لسيادة الدولة، مشيراً إلى أن الهجوم المتكرر يثبت أن الاحتلال يواصل سياساته العدوانية بهدف تقويض الأمن والاستقرار. وأضافت وزارة الخارجية السورية أن الاعتداءات الأخيرة تمثل انتهاكاً للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، داعية مجلس الأمن إلى التدخل لوقف الانتهاكات الإسرائيلية المتكررة.

وخلال استقباله نظيره الإسرائيلي جدعون ساعر، جدد وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو التأكيد على الالتزام الراسخ بأمن إسرائيل ومواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة وتعزيز التعاون الأمني المشترك.

ويعد جبل المانع أحد أبرز العقد العسكرية جنوب دمشق، ويرتفع أكثر من 1000 متر، ويطل على العاصمة والطريق الدولي M5، كما يكشف محاور واسعة تمتد حتى درعا والقنيطرة. وعلى مدار سنوات، كان يضم قواعد للدفاع الجوي ومخازن صواريخ سكود، إضافة إلى مراكز رادار واتصالات وغرف عمليات مشتركة مع حزب الله ومستشارين إيرانيين. هذه الخصائص جعلته هدفاً دائماً للغارات الإسرائيلية منذ عام 2020، لكنه اليوم يشهد أول عملية إنزال برية مباشرة منذ هروب الأسد.

تنازل واتفاق

في وقت حساس من المحادثات الأمنية غير المسبوقة بين دمشق وتل أبيب بوساطة دولية لخفض التوترات، كشفت هيئة البث العبرية الرسمية، أمس الأول، عن طرح حكومة بنيامين نتنياهو أفكاراً تتعلق بترتيبات أمنية مقابل تنازلات سياسية وميدانية، أبرزها مبادرة مزارع شبعا اللبنانية بالجولان السوري المحتل منذ عام 1967.

ونفى نتنياهو دراسة حكومته الانسحاب من مزارع شبعا مقابل استمرار احتلالها هضبة الجولان، وقال مكتبه: «التقرير الذي يزعم أن إسرائيل تدرس التنازل عن جبل دوف (جبل الروس في مزارع شبعا) هو خبر كاذب تماماً».

وذكرت هيئة البث أن «إسرائيل درست بجدية التنازل عن جبل دوف ومزارع شبعا، مقابل توقف سورية عن مطالبتها بمرتفعات الجولان، وذلك طرح خلال محادثاتهما الأمنية قبل أسابيع».

وأضافت الهيئة أن المسؤولين الإسرائيليين «بحثوا الجدوى السياسية لهذه الخطوة، التي تتطلب موافقة 80 عضوا في الكنيست» من أصل 120، لافتة إلى أن الرئيس أحمد الشرع صرح للصحافيين العرب قبل أيام بأن دمشق لا تستطيع الانضمام إلى اتفاقيات إبراهيم (للتطبيع مع تل أبيب)، ما دام الجولان تحت السيطرة الإسرائيلية.

ووسط معلومات عن احتمال توقيع الاتفاق الأمني مع سورية خلال الأسابيع المقبلة، التقى نتنياهو أمس زعيم دروز إسرائيل موفق طريف في غرفة العمليات الخاصة للطائفة بقرية جولس بالجليل، وبحث معه الأوضاع المتوترة في محافظة السويداء.

كما زار بدعوة من طريف رئيس مجلس مستوطنات شمال الضفة يوسي داغان مركز القيادة ذاته، ودعا نتنياهو إلى اتخاذ قرار رسمي لإرسال مساعدات إنسانية إلى الدروز في السويداء تشمل الغذاء والأدوية.

وشدد طريف على خطورة الوضع في السويداء، قائلاً: «إخواننا في سورية يموتون جوعاً ويفتقرون للكهرباء والماء والغذاء والأدوية»، ودعا المجتمع الدولي إلى فتح ممر إنساني لإيصال المساعدات، على غرار غزة!

في المقابل، أعلنت وزارة الداخلية السورية استكمال إعادة فتح طريق دمشق – السويداء، وبدء دخول أولى قوافل المساعدات الأممية إلى المحافظة بعد أسابيع من التوترات الأمنية.

وفي افتتاح معرض دمشق الدولي، أكد الشرع أمس الأول أن «سورية الجديدة تركز على الاستقرار الأمني والتنمية الاقتصادية، بعد أن مرت تحت سلطة النظام البائد بحقبة غريبة عن تاريخها تراجع فيها إنتاجها وعزلت عن العالم».

ووقعت وزارة الطاقة السورية اتفاقية وعدداً من مذكرات التفاهم مع شركات سعودية، تتضمن مشاريع الكهرباء ومحطات النقل والتوزيع والمسوحات الجيوفيزيائية والجيولوجية وخدمات الحقول البترولية وحفر الآبار وصيانتها والتدريب الفني وتطوير الأيدي العاملة وتقديم الحلول المتكاملة لتطوير وإدارة حقول النفط والغاز.