في خطوة تعكس التوتر بين واشنطن، في زمن دونالد ترامب، وحلفائها الأوروبيين، استدعت وزارة الخارجية الدنماركية، أمس، القائم بالأعمال الأميركي بعد تقرير تلفزيوني عن محاولات تدخل في غرينلاند، بعد أيام من استدعاء باريس السفير الأميركي لديها للاحتجاج على خلفية اتهاماته «غير المقبولة» للرئيس إيمانويل ماكرون بالتقصير في اتخاذ إجراءات كافية لمكافحة معاداة السامية.
وأفادت القناة التلفزيونية الدنماركية العامة بأنّ ثلاثة مسؤولين أميركيين على الأقل مقرّبين من ترامب، قاموا بمحاولة جمع معلومات بشأن قضايا سابقة تسبّبت في توترات بين الدنمارك وغرينلاند، المنطقة المتمتعة بالحكم الذاتي، والتي لم يخفِ ترامب رغبته في ضمّها.
وبحسب التقرير، تمثّلت مهمة هؤلاء في تحديد الأشخاص الذين يؤيدون التقارب مع الولايات المتحدة، وأولئك الذين يعارضونه بشدة.
وقال وزير الخارجية الدنماركي لارس لوكه راسموسن، إنّ «أي محاولة للتدخّل في الشؤون الداخلية للمملكة ستكون مرفوضة تماماً»، مضيفاً «طلبت من وزارة الخارجية استدعاء القائم بالأعمال الأميركي لعقد اجتماع وقائي في الوزارة».
وأضاف راسموسن على هامش زيارة لشمال غرب البلاد: «أعتقد أنّه من الجيد جدا تعزيز صمود غرينلاند والدنمارك، لمعرفة ما قد يتعيّن علينا التعامل معه».
وفي نهاية مايو، ذكرت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية أنّ أجهزة الاستخبارات الأميركية تلقّت أمراً بجمع معلومات بشأن حركة الاستقلال في غرينلاند، والآراء بشأن الاستغلال الأميركي المحتمل للموارد الطبيعية في الجزيرة الواقعة في القطب الشمالي. وردّت رئيسة الحكومة ميتي فريدريكسن بالقول: «لا يجوز التجسّس على حليف»، بينما استُدعي القائم بالأعمال الأميركي إلى وزارة الخارجية.
ووفق التلفزيون الدنماركي، فقد شجّع الأميركيون الثلاثة خلال تنقّلهم في نوك عاصمة غرينلاند، السكّان على تسليط الضوء على القضايا التي يمكن استخدامها لتصوير الدنمارك في صورة سلبية في وسائل الإعلام الأميركية. وفي السياق، تمّ التطرّق إلى قضيّتين تسمّمان العلاقات بين كوبنهاغن ونوك. ويتعلّق أحد هذين الملفّين بشكوى سكان غرينلاند الذين يشكل الإنويت حوالي%90 منهم، من معاملتهم كمواطنين من الدرجة الثانية من جانب السلطة المركزية الدنماركية المتهمة بقمع ثقافتهم وإجراء عمليات تعقيم قسرية وانتزاع أطفال من عائلاتهم.
جاء ذلك بعد إجراء اختبارات مثيرة للجدل للحكم على مدى أهلية سكان غرينلاند ليكونوا آباء وأمهات، خصوصاً بين ستينيات وثمانينيات القرن الماضي.
وقال مارك جاكوبسن الأستاذ المحاضر في الكلية الملكية الدفاعية الدنماركية لوكالة فرانس برس، إنّ هذه المعلومات التي عرضها التلفزيون الدنماركي «تظلّ غامضة بعض الشيء، ولكن نظرا للسياق ومستوى رد الفعل، يجب أن تؤخذ على محمل الجد».
بعد انتخابه، أكد ترامب أنّ بلاده تحتاج إلى الجزيرة الشاسعة الواقعة في الدائرة القطبية الشمالية من أجل أمنها القومي والأمن الدولي، ورفض استبعاد استخدام القوة لضمها إلى بلاده.
وفي يناير، عارض 85 في المئة من سكان غرينلاند انضمام بلادهم إلى الولايات المتحدة مستقبلاً، وفقاَ لاستطلاع للرأي نشرته صحيفة سيرميتسياك، ولم يؤيد ذلك سوى 6 في المئة.
وفي نهاية مارس، قام نائب الرئيس الأميركي جاي دي فانس بزيارة إلى غرينلاند اعتبرتها كل من نوك وكوبنهاغن استفزازية.
وقال وزير الخارجية الدنماركي أمس: «ندرك أنّ الجهات الأجنبية لا تزال تظهر اهتمامها بغرينلاند وموقعها داخل مملكة الدنمارك»، مضيفاً «لذلك، ليس من المستغرب أن نرى محاولات خارجية للتأثير على مستقبل المملكة».
وفي الربيع، أعربت أجهزة الاستخبارات الدنماركية عن قلقها إزاء احتمال ممارسة نفوذ أجنبي، لاسيما من جانب روسيا، بعد الانتخابات البرلمانية في غرينلاند. وفي النهاية، لم يتم الكشف عن أي تدخّل.
وحذّر جاكوبسون من أنّ «ترامب ربما يفكّر في أمر آخر حاليا، لكن ما أطلقه في وقت سابق هذه السنة (بشأن ضم غرينلاند) لا يزال قائما».
وأضاف أنّ هذا دليل على أنّ هذه ليست مجرّد تصريحات، بل إنّه «ملتزم بالأمر التزاما حقيقيا». ومنذ تولّي ترامب منصبه، ليس هناك سفير أميركي في الدنمارك.