هذا الصيف ترسخت الحقيقة: الذكاء الاصطناعي لم يعد «قادماً» في المستقبل، بل هو حاضر الآن ويُحدث اضطراباً صامتاً في سوق العمل. لم نعد نتحدث عن «خطر بعد عقود» أو «أسرع مما نتصور»، بل عن واقع يتكشف أمامنا.
الأرقام الاقتصادية في يوليو جاءت أقل من المتوقع، مع مراجعة أرقام مايو ويونيو نزولاً. الأخبار أرجعت الأسباب إلى التعريفات الجمركية وعدم اليقين، وأحياناً ذكرت الذكاء الاصطناعي في ذيل القائمة، لكن تقارير أخرى تضعه في المقدمة، خريجو الاقتصاد الجدد، الذين كانت نسبة توظيفهم شبه كاملة قبل عامين، يجدون الآن صعوبة في إيجاد عمل، الشركات والحكومات تقلّص التوظيف، خشية أن تحل الخوارزميات مكان الموظفين.
حتى شركات الاستشارات الكبرى تشعر بالتهديد. تقرير عن «ماكينزي» كشف أن الشركة تعيد هيكلة عملها نحو فرق أصغر، وتترك مهمة إعداد العروض التقديمية للذكاء الاصطناعي، مع توقّع أن يصبح هناك وكيل ذكاء اصطناعي مقابل كل موظف بشري.
الكاتب جون إليس وصف المشهد في ضواحي كونيتيكت، مكاتب سماسرة التأمين، البنوك، المحامين، المحاسبين... كل هذه المهن ستشهد تقليصاً بين 10 و25 بالمئة خلال عامين أو ثلاثة، شركات المحاماة والمحاسبة ستحتاج إلى عدد أقل من الموظفين، وفي مجالات مثل إدارة الثروات، العملاء سيفضلون المؤسسات التي تملك بنية ذكاء اصطناعي قوية على المكاتب الصغيرة.
هناك مهن محصنة نسبياً، مثل الحرفيين، وعمال الأسطح، وسائقي القوارب، والمعالجين بالتدليك. لكن معظم الأعمال المكتبية والخدماتية مهددة. وفقدان الوظائف سيجرّ معه مشكلات إضافية، كثير من هؤلاء لديهم تأمين صحي خاص ولن يجدوا بديلاً مساوياً، وسيكونون بعيدين عن التقاعد، مما يفرض على صانعي السياسات تحدي إعادة دمجهم في وظائف توفر دخلاً كريماً وتأميناً.
حتى إذا عاد التصنيع لأميركا، فإن الروبوتات ستتولى كثيراً منه. «أمازون»، على سبيل المثال، تقترب من وجود عدد روبوتات مساوٍ للعمال البشر في مستودعاتها، بعد أن تجاوز عدد الروبوتات المليون.
دراسة «مشروع مستقبل الذكاء الاصطناعي» الصادرة في أبريل، بعنوان «AI 2027»، توقعت أن تأثير الذكاء الاصطناعي الفائق سيتجاوز الثورة الصناعية، وأن التطور سيسرع بدءاً من 2025، مع قيام الذكاء الاصطناعي بتدريب نفسه، وأتمتة البرمجة بحلول 2026. السؤال المطروح: هل سيكون أكبر من وسائل التواصل؟ من الهواتف الذكية؟ من اكتشاف النار؟
وسط انشغال الساحة السياسية بسباقات الأسماء والمناورات، القصة الكبرى التي تُكتب الآن هي إعادة تشكيل سوق العمل الأميركي. الذكاء الاصطناعي - not السياسيون - هو التهديد الحقيقي للرؤساء الطامحين.
السياسيون يعرفون أنه قادم، لكنهم غير مستعدين لحجمه أو عمقه، لأن خبراتهم في معالجة البطالة تقوم على دورات اقتصادية أو انتقال مهني، لا على استبدال تكنولوجي شامل، وعندما لا يعرفون ما يفعلون، يتركون الأمور «تسير لترى ما سيحدث».
في ختام المقال، حوار قصير مع «شات جي بي تي»:
هل أنت على صواب في أن فقدان الوظائف الكبير قادم؟: «نعم، خاصة خلال 12 إلى 24 شهراً، مع تسارع استخدام الأدوات الذكية في قطاعات متعددة».
لماذا الآن؟: «لأن الذكاء الاصطناعي بات جيداً بما يكفي ليحل محل العمل المكتبي المعرفي، بخطوة نوعية عن الأتمتة السابقة».
ما المطلوب سياسياً؟: «برامج ضخمة لإعادة التدريب والتعليم المهني، وشبكات أمان دخل انتقالي للعمال المتأثرين، واستكشاف آليات لتقاسم الأرباح».
توقّعي البشري: الكلفة الاجتماعية الهائلة ستفرض نقاشًا حول تقاسم أرباح الذكاء الاصطناعي. الأثرياء وأصحاب الشركات سيقاومون، لكن هذا النقاش قد يصبح إحدى المعارك السياسية الكبرى في أواخر العقد الحالي وما بعده.
* بيغي نونان