في الكويت أصبحنا نسمع بين فترة وأخرى نغمة تتكرر على ألسنة البعض ممن يصفون الشعب الكويتي بأنه «كسول»، «غير منتج»، أو «لا يحب العمل» كدعوة للتطوير أو تحفيز على الإنتاج، لكن في جوهره يعكس نرجسية فكرية واجتماعية، تُخفي وراءها ميلاً للتعالي وإبراز الذات على حساب المجموع.

عند الحديث عن «الكسل» في المجتمع الكويتي، يتم غالباً تجاهل الظروف التي شكّلت سلوك البعض في حقبة الرخاء كدولة غنية ريعية، مما أنتج نمطاً اقتصادياً واجتماعياً مختلفاً عن المجتمعات الأخرى.

Ad

هذا الواقع ليس اختياراً فردياً، بل نتيجة تاريخ اقتصادي طويل وسياسات دولة، ومع ذلك يظهر بعض الأفراد وكأنهم يتناسون هذه الحقائق، ويحمّلون «الشعب» وحده مسؤولية ما وصلت إليه الأوضاع.

هؤلاء المتعالون يضعون أنفسهم دائماً خارج هذا «الإطار الكسول»، في مشهد نرجسي واضح: «أنا أعمل وأفكر وأنتج، أما البقية فهم عالة على المجتمع».

هذا الخطاب لا يحمل في طيّاته نقداً موضوعياً بقدر ما يعكس رغبة في التمايز، حتى لو كان ذلك على حساب جلد الذات، إنها صورة «المستنير الوحيد وسط الجهال»، التي تمنح قائلها شعوراً زائفاً بالرفعة والتميز.

المؤسف أن هذا الخطاب غالباً ما يأتي من أفراد محسوبين على النخبة الثقافية أو الاجتماعية أو حتى بعض المؤثرين على وسائل التواصل، لكن كثيراً منهم لا يمتلك مشروعاً حقيقياً للإصلاح أو رؤية واضحة للتغيير، فبدل المساهمة في تطوير التعليم أو فتح نقاش مجتمعي حول الاقتصاد أو تطوير النظم الإدارية، يكتفون بتكرار عبارة «الناس ما تبي تشتغل»، دون أن يقدموا أي جهد لفهم الأسباب أو المساهمة في وضع الحلول.

في الختام:

العمل قيمة، والإنتاجية مطلوبة، لكن لا يمكن بناء هذه القيم من خلال التحقير، فالشعوب لا تُطور بخطابات الإدانة، بل تتحقق نهضتها من خلال بناء المؤسسات، وإصلاح التعليم، وخلق الفرص، وتوزيع الثروة بشكل عادل.

المطلوب اليوم ليس المزيد من التوبيخ المجتمعي، بل تعميق الفكر التحفيزي، وتوجيه الطاقات نحو التغيير الإيجابي.

من السهل أن تقول «الشعب كسول»، لكن من الأصعب أن تسأل: لماذا؟ وكيف نُصلح؟ النرجسية المقنعة بالحرص الوطني لا تصنع نهضة، وما تحتاجه الكويت ليس أصواتاً تتعالى على الناس، بل عقولاً تعمل معهم، تستنهض الهمم، وتفكر من داخل واقعهم، لا من أبراج فوقه.

ودمتم سالمين