«النَّزائِع لا الْقَرَائِب»، ويُقَال أيضاً: «الغرائب لا القرائب»، وهو قول عربي قديم وغريب، وغرابته تكمن في مقصده وفي زمانه، فقد قيل في زمان غير زماننا، زمان لم يكن يُعرف فيه محاذير زواج الأقارب، فالنَّزائِع جمع للنزيعة، التي تعني هنا الغريبة، والغريبة كما يقال أنْجَبُ للذرية، والْقَرَائِب هي جمع للقريبة.

وقد يُقَال أيضاً: «اغْتَرِبُوا لاَ تُضْوُوا»، أي تزوجوا من الأباعد حتى لا يولد لكم ضَاوٍ، أي هزيل وضعيف، وهناك بيت شعر قيل حول هذا الأمر:

Ad

فَتىً لَمْ تَلِدْهُ بِنْتُ عَمّ قَرِيبَةٌ

فَيَضْوَى وَقدْ يَضْوَى رَدِيدُ الْقَرَائِبِ

والرديد هنا قد تعني القبيح، أو ضعيف الجسم.

ليس هناك أي منع أو نهي ديني عن زواج الأقارب، فنبينا محمد، صلى الله عليه وسلم، تزوج من ابنة عمته زينب بنت جحش، وزوّج ابنته فاطمة لابن عمّه علي بن أبي طالب، رضي الله عنهما، مما يدل على جوازه شرعاً، ولكن هناك أحاديث منسوبة قيلت في ذلك، مثل: «غربوا النكاح»، و«لا تنكحوا القرابة القريبة فإن الولد يخلق ضاوياً»، ولكنها أقوال ضعيفة فلا يعتد بها.

وهناك دراسات علمية حذرت من احتمالية ظهور بعض الأمراض «الوراثية» لدى الأبناء في حالة زواج «القرائب»، ومع ذلك، فهذا لا يعني أبداً أن جميع زيجات «القرائب» ستؤدي بالضرورة إلى إنجاب أطفال «ضاوين»، ولذلك فإن الفحص الطبي قبل الزواج ينهي كل جدل حول هذا الموضوع.

وقول «النزائع لا القرائب» له مقصد آخر، وهو أنه ليس بالضرورة أن تكون الأفضلية في العمل لذوي القربى أو لذوي الحظوة إذا كانوا غير أكفاء، سواء كانوا في مجال النسب أو في مجال العمل والإنجاز، فالأفضلية هنا يجب أن تكون لأصحاب الكفاءة والخبرة والعلم، حتى ولو كانوا من «النزائع».

فإسناد المناصب لمن يريد مصلحة وزارته أو مؤسسته أو شركته عليه أن يتّبع معايير قائمة على الجدارة والمؤهلات وليس على العواطف، ففي الجد لا مكان «للقرائب» أو للعلاقات الشخصية.

الله سبحانه وتعالى قال في ذلك: «قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ»، فصاحب العلم ليس كالجاهل مهما كان قريباً منا، وقوله سبحانه يؤكد أن الجدارة والكفاءة هي المعيار الأهم.

وليست قصة زواج فاطمة بنت قيس من أسامة بن زيد بخافية علينا، فهي أصدق مثال على ذلك، فعندما أراد الصحابة أن يخطبوا فاطمة بنت قيس، وكانوا من سادات قريش، أشار عليها النبي صلى الله عليه وسلم بالزواج من أسامة بن زيد، وهو مولى أصله من خارج العرب، لتميزه عنهم بأمور الرسول عليه السلام، وأنه أعلم بها، ما أظهر بوضوح أن الكفاءة والفضل أهم من النسب في اختيار شريك الحياة، والله أعلم.