ضمن ترتيبات أمنية وسياسية آخذة في التوسع بسورية شملت أيضاً تعاوناً عسكرياً مع الجيش الأميركي والاستخبارات العراقية، عقد وزير الخارجية أسعد الشيباني لقاءً ثانياً خلال أقل من شهر مع وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر، بوساطة المبعوث الأميركي توم براك، بحث خفض التصعيد والوضع الإنساني في السويداء، وشمل للمرة الأولى عدم التدخل بالشأن السوري الداخلي، والتوقف عن تشجيع المحاولات اليائسة للتقسيم.
وأكد الشيباني وديرمر، بحضور براك ورئيس الاستخبارات السوري حسين السلامة، التمسك بوحدة الأراضي السورية، ورفض أي مشاريع تقسيم، معتبرين أن السويداء جزء لا يتجزأ من النسيج الوطني السوري. وتم التوافق على تكثيف المساعدات لسكان السويداء والبدو، ومنع انزلاق الجنوب إلى مواجهة مفتوحة.
كما شملت المباحثات آلية لتفعيل اتفاق وقف الاشتباك لعام 1974، بما يضمن وقف التوغلات الإسرائيلية ويؤسس لبيئة أكثر استقراراً.
القناة العبرية «12» كشفت أن اللقاء الذي عقد بباريس تطرق للترتيبات الأمنية على الحدود، في وقت أشار براك إلى مشاورات أجراها مع الزعيم الروحي لدروز إسرائيل موفق طريف حول تثبيت وقف النار وفتح ممرات آمنة وإطلاق المختطفين وعودة النازحين.
ووصف براك المحادثات بأنها «ودية ومثمرة» وتهدف لخفض التوتر وحماية المدنيين ودفع جهود الاستقرار والحد من التصعيد، مع التركيز على مراعاة التوازنات المحلية.
ميدانياً، نفذت القوات الأميركية بالتنسيق مع الجيش السوري إنزالاً جوياً فجر أمس في منطقة أطمة بريف إدلب، استهدف القيادي العراقي بتنظيم داعش صلاح نومان، المسؤول عن تنشيط الخلايا النائمة.
العملية التي ساهمت بها الاستخبارات العراقية واستمرت ساعتين أسفرت عن مقتل نومان واعتقال خمسة آخرين، سلموا لاحقاً لقوى الأمن الداخلي.
ووفق الاستخبارات العراقية، فإنها ساهمت بتوفير معلومات دقيقة قبل العملية، موضحة أن نومان شقيق قيادي بارز في»داعش» قتل أيضاً عام 2020 بضربة أميركية.
وتعد هذه العملية الثانية من نوعها بين التحالف الدولي والحكومة السورية في أقل من شهر، بعد عملية مشتركة في مدينة الباب بريف حلب أسفرت عن مقتل القيادي ضياء الحرداني وابنيه.
وفي تفاصيل الخبر:
في ثاني لقاء من نوعه خلال أقل من شهر، أجرى وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، ليل الثلاثاء - الأربعاء، مباحثات أكثر تفصيلاً مع وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر، بحضور المبعوث الأميركي توم براك، تطرقت إلى خفض التصعيد والوضع الإنساني في محافظة السويداء، التي شهدت أعمال عنف طائفية الشهر الماضي، إضافة إلى بند جديد يتعلق بعدم التدخل في الشأن السوري الداخلي.
ونقلت القناة السورية الرسمية، أمس، عن مصدر حكومي أن الشيباني وديرمر أكدا خلال اللقاء، الذي حضره أيضاً رئيس الاستخبارات حسين السلامة، «التمسك بوحدة الأراضي السورية ورفض أي مشاريع تستهدف تقسيمها، وأن السويداء جزء لا يتجزأ من سورية، والمواطنين الدروز جزء أصيل من النسيج الوطني».
وتطرق اللقاء إلى الأوضاع الإنسانية في الجنوب، واتفق الطرفان على ضرورة تكثيف المساعدات الموجهة إلى أبناء السويداء والبدو، للتخفيف من وطأة الظروف المعيشية الصعبة، واختتم بتأكيد التزام الجانبين بالعمل من أجل خفض التصعيد في الجنوب، منعاً لانزلاق المنطقة إلى مواجهة مفتوحة.
وبحسب المصدر الحكومي، فإن محادثات باريس شملت كذلك «ضرورة التوصل إلى آلية واضحة تعيد تفعيل اتفاق وقف الاشتباك الموقع عام 1974، بما يضمن وقف التوغلات الإسرائيلية داخل الأراضي السورية ويؤسس لبيئة أكثر استقراراً».
وكانت وكالة سانا أفادت بأن مباحثات أمس الأول تطرقت إلى «خفض التصعيد وعدم التدخل في الشأن السوري الداخلي»، ولفتت إلى أن النقاشات تجري «بوساطة أميركية، في إطار الجهود الدبلوماسية الرامية إلى تعزيز الأمن والاستقرار والحفاظ على وحدة وسلامة أراضي سورية»، التي لا تزال رسمياً في حالة حرب مع إسرائيل منذ عام 1948.ونقلت القناة 12 العبرية عن مصدرين مطلعين أن «ديرمر وبراك بحثا مع الشيباني في باريس الترتيبات الأمنية على الحدود بين إسرائيل وسورية.
وكتب براك أنه بحث مع الزعيم الروحي لدروز إسرائيل موفق طريف الأوضاع في السويداء، و«كيفية جمع مصالح كل الأطراف وخفض التوترات، وبناء التفاهم».
ووصف براك اللقاء بأنه «ودي ومثمر»، مشيرا إلى أنه يواصل العمل مع جميع الشركاء، المحليين والإقليميين، لدفع جهود الاستقرار والحد من التصعيد، مع التركيز على حماية المدنيين ومراعاة التوازنات المحلية.
وطالب طريف براك بالعمل على عدة نقاط، أبرزها تثبيت وقف النار بشكل شامل ومستدام، وفتح ممر بري آمن وضمانه تمرير المساعدات إلى السويداء ورفع الحصار عنها وتحرير المختطفين وعودة النازحين إلى القرى الدرزية، في المقرن الغربي والشمالي.
إنزال مشترك
وفي تطور ميداني جديد، نفذت القوات الأميركية، بالتعاون مع الجيش السوري، فجر أمس، عملية إنزال جوي مشتركة في منطقة أطمة بريف إدلب استمرت نحو ساعتين، وأسفرت عن مقتل أخطر قيادات تنظيم داعش صلاح نومان، المسؤول عن تنشيط وتحريك الخلايا النائمة داخل سورية.
واعتقلت قوات التحالف، خلال عملية تصفية القيادي العراقي نومان، 5 أشخاص، وسلمتهم إلى قوى الأمن الداخلي في مدينة أطمة الحدودية مع تركيا. وبحسب التلفزيون الرسمي، عند اقتحام المنزل المكون، الذي يقيم فيه مع والدته وعائلته، قفز نومان من الشرفة إلى الحديقة، لكن قوات التحالف طوقت المكان وأطلقت النار عليه وقتلته على الفور.
وقال مصدر أمني عراقي إن المستهدف هو شقيق قيادي بارز بالتنظيم قتل عام 2020 بضربة للتحالف الدولي في محافظة دير الزور (شرق)، مضيفا أن الاستخبارات العراقية شاركت معلومات مع التحالف الدولي قبيل تنفيذ العملية التي أسفرت عن «اعتقال زوجاته بينما تمّ ترك والدته وطفله».
وتعد عملية أطمة الثانية من نوعها بين التحالف الدولي والحكومة السورية، بعد عملية نفذت في 25 يوليو الماضي، ضد «داعش» في مدينة الباب بريف حلب، أسفرت عن مقتل عدد من عناصره، أبرزهم القيادي ضياء الحرداني، إضافة إلى ابنيه عبدالله وعبدالرحمن.
الموقوفون الإسلاميون
إلى ذلك، يتقدم ملف العلاقات اللبنانية - السورية على المشهد السياسي، انطلاقاً من مساع عربية ودولية لتفعيل هذه العلاقات وترتيبها، وسط استعداد لتطوير العلاقات وتحسينها وتفعيل العمل الدبلوماسي بين البلدين، وهو ما تعتبر سورية أن المدخل الفعلي إليه ينطلق من خلال معالجة ملف الموقوفين الإسلاميين. في هذا السياق كشفت المصادر أن دمشق شكلت وفداً يضم مسؤولين من وزارات الخارجية، والداخلية، والعدل، والاستخبارات لزيارة لبنان خلال الأسبوع المقبل، لأجل البحث في توقيع اتفاقية تسمح بنقل الموقوفين إلى داخل سورية.
وتضيف المصادر أن سورية تولي ملف الموقوفين اهتماماً كبيراً، وتسعى إلى إطلاق سراح جميع الموقوفين كمدخل فعلي لتطوير العلاقة، وتؤكد أن دمشق كانت تنتظر من لبنان بادرة حسن نية في إطلاق سراح هؤلاء الموقوفين من دون الحاجة إلى المطالبة بهم، ولكن لبنان رفض ذلك، واعتبر أنه لا بد من وضع إطار قانوني لذلك.
ويتوزع الموقوفون السوريون في لبنان على ثلاثة أقسام: الأول للمحكومين بجنح، والثاني للمحكومين بجنايات، والثالث لغير المحكومين. وتطالب دمشق باسترداد الجميع ومحاكمتهم أو قضاء محكومياتهم في سورية. وفي دمشق أيضاً، هناك حرص على موقوفين لبنانيين ناصروا الثورة السورية، وتعتبر أن توقيفهم جاء بسبب مناصرتهم للثورة، وحان الوقت لإطلاق سراحهم طالما أن الثورة السورية قد انتصرت.
في الموازاة، فإن الوفد سيبحث في ملفات أخرى، من بينها معالجة آليات الدخول والخروج للسوريين إلى لبنان، وإحسان معاملة المواطنين السوريين على الأراضي اللبنانية، لا سيما بعد ما تعتبره دمشق تجاوزات ومضايقات كثيرة يتعرضون لها، إضافة إلى استمرار حملة التوقيفات الواسعة بحق السوريين وزجهم بالسجون بحجج كثيرة، مثل عدم حيازة أوراق، أو الدخول خلسة إلى لبنان.
ويقول المسؤولون السوريون إن هذه الحالات كلها تحتاج إلى معالجة، وكذلك هناك مطالبات تتعلق بتعزيز العمل في سبيل ضبط الحدود ومنع تهريب السلاح أو المخدرات، وصولاً إلى العمل على ترسيم الحدود بشكل نهائي، وتؤكد المصادر أن التنسيق قائم ومستمر بين المعنيين في البلدين، من قوى عسكرية أو أمنية، وأنه لا بد من تعزيز ذلك.
وبعد إنجاز هذه الملفات، يفترض أن يتم الانتقال إلى مسار جديد من العلاقة، مثل إعادة تفعيل العمل الدبلوماسي وتعيين السفراء في البلدين، إضافة إلى البحث في مشاريع تجارية مشتركة يتمكن لبنان عبرها من الاستفادة من خطوط التجارة والترانزيت وفي مجالات الطاقة والنفط، كما أنه يمكن للبنان أن يكون أحد المنطلقات الأساسية لإعادة إعمار سورية، ما ينعكس إيجاباً على وضعه الاقتصادي.