البحث في تفاصيل القرآن والنظر له من زاوية بيئية بحتة هذه المرَّة، من خلال التعمُّق والبحث لإعداد سلسلة المقالات هذه، جعلني أيضاً أتوقف لدى مسألة جميلة، علاوة على إعجاز هذا الكتاب علمياً.
معظم وجُل الآيات التي أتت على ذكر البيئة والنهي عن تلويثها والإفساد بها كانت آيات مكية، وكأن الله، جل في عُلاه، يُخبر بها العرب عامة، وقريش خاصة، بتعاليم يجهلونها، ويُقيم عليهم حججاً بالعلم لا يعلمون عنها شيئاً.
كانت الموارد متوافرة، ونعني هنا أن التلوث لم يصل إلى ما هو عليه اليوم، ولم تكن البيئة سقيمة، كما نراها في هذا الزمان. إلا أن الله تعالى أحب أن يري الناس من خلال رسالة رسول الإسلام محمد، صلى الله عليه وسلم، نهجاً جديداً وتعاليم جديدة لم يألفوها سابقاً، ولم يتعوَّدوا سماعها.
هناك إشارات جميلة ذُكرت البيئة بها بوضوح والنهي عن الفساد في الأرض، وكأن الرب، جل في عُلاه، يقول للناس أجمع في المجتمع المكي ومَنْ كان من بعدهم أن العلم لديكم قاصر.
ومن الإشارات المكية الواضحة في الكتاب الكريم، الآية التالية رقم 36 من سورة العنكبوت: «وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ».
طلب النظر والعمل ليوم القيامة والحسنات وموازين الأعمال، هنا جاءت مقرونة بذات الآية بالنهي عن الفساد في الأرض، وهنا يكون الفساد لغوياً ذا دلالات عدة تتمحور حول الأخلاقيات العامة، والمعاملات، لا سيما ما ينطبق على الآية الكريمة من فسادٍ وتلوثٍ للبيئة العامة.
بل أستطيع أن أُضيف أمراً آخر، وهو أن الأخلاقيات هنا أتت مقرونةً بالنهي عن الإفساد في الأرض، وهي دلالة واضحة للحفاظ على البيئة، ويا لها من دلالة!
أما في قول الله، جل في عُلاه، في الآية 205 من سورة البقرة المدنية (وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ)، فأتى منظور مهم في حفظ الموارد الطبيعية للحفاظ على منظومة متوازنة أكبر من تخيُّل الإنسان بمراحل جمَّة.
أتينا على ذكر العديد من الآيات، وفي إشارات عدة تتكلم عن البيئة داخل ثنايا وصفحات القرآن الكريم، ولتتمة هذه السلسلة على أتم وجه، من وجهة نظري، علينا أن ننهيها بالآيات المدنية (سورة البقرة) في هذا المقال، لإعطاء شيء من التنوُّع في الطرح. ولعله مفيد هنا أن نذكر بأن الإشارات إلى موضوعنا في هذه السلسلة عديدة ومتعددة، وأنا شخصياً انتقيت الأبرز منها، وهذا بالطبع لا يعني عدم وجود غيرها، والله كريم، وهو المستعان.
على الهامش: شابت الذوائب مني من رؤية ظلمة قد نكّل الله بهم. ابعدوا عن الافتراء وظلم الناس.