لم تكن زيارتي لمكتبة الجامعة الأميركية في بيروت هي الأولى، بل أخذت هذه المرة طابعا خاصا، فقد حرصت في هذه الزيارة على أن أتعرّف أكثر على موجوداتها وألتقي العاملين فيها، قصدت أولا مكتب السيد إبراهيم خوري مدير مكتب الإعلام والعلاقات العامة سابقا ومستشار رئيس الجامعة د. فضلو خوري حاليا، صاحب التجربة الإعلامية العريقة والوجه البشوش الذي يقابلك بحرارة.

وقد أهداني كتاب «150 عاما على تأسيس الجامعة»، قائلا: لولا المكتبة والأرشيف الذي تديره السيدة سمر ميقاتي، أمينة مكتبة مساعدة للأرشيف والمجموعات الخاصة، والفريق الذي يعمل معها، لما كنّا قادرين على إصداره. احتوى الكتاب على وثائق نادرة عن تاريخ الجامعة وصوراً لم تنشر من قبل. طلبت منه المساعدة بمعرفة أسماء الطلبة الكويتيين الذين درسوا في الجامعة الأميركية في بيروت منذ التحاق أول طالب في الثلاثينيات، ووعد خيرا.
نهرو عندما زار الجامعة مع داود عمون


مكتبة الجامعة
Ad


سُميت مكتبة يافث التذكارية بهذا الاسم نسبة الى رجل الأعمال اللبناني نعمة يافث، وهو خريج الجامعة عام 1882، بعدما تبرّعت أسرته بالمال سنة 1947 لإنشاء هذه المكتبة التي تعتبر المكتبة المركزية للجامعة. وقد ضمت المكتبة عند إنشائها نحو 40 ألف كتاب، ووصلت اليوم إلى أكثر من مليوني كتاب؛ نصفها ورقي والنصف الآخر رقمي، وهي مفهرسة ومصنّفة ومتاحة للباحثين، وتوسعت خدمات المكتبة، حيث زادت ساعات العمل، ففتحت أبوابها أيام العطل لمواكبة حاجات الطلبة المتزايدة للبحث والدرس.

تضم المكتبة أرشيفاً ضخماً قديم العهد يعمل به فريق من حوالي 10 موظفين متخصصين بالأرشفة وعلوم المكتبات وترميم المخطوطات والتصنيف للوثائق.

تقول ميقاتي: في المكتبة بدأنا الاهتمام بتاريخ الجامعة بتصنيف وثائقها التاريخية، وبعدها عملنا على الحصول على مجموعات خاصة لشخصيات لبنانية وعربية بارزة لحفظها وتنظيمها وإتاحتها للباحثين من جميع أقطار العالم.

المجموعات الخاصة

وأنت جالس في مكتبها، تشرح لك ميقاتي - باختصار - نوع مقتنيات الأرشيف، فبخلاف الكتب الورقية والرقمية التي يتولاها السيد ألبرت حداد، تشمل المجموعات الخاصة الكتب النادرة، المخطوطات، الوثائق، الخرائط، مجموعات السينما والموسيقى، الرسائل الجامعية المصنّفة، الملصقات الفنية والسياسية، البطاقات البريدية، مجموعات سياسية وفنية لشخصيات مهمة كان لها دور بارز في تاريخ المنطقة، ومجموعة الكومكس العربية... إلخ.

هناك نحو 14 ألف أطروحة ماجستير ودكتوراه، و1800 مخطوطة عربية؛ قسم منها تمت إتاحته على موقع المكتبة الإلكتروني. وتتوزع الأعمال على أعضاء الفريق؛ كل فرد يهتم بجانب من التصنيف والفرز وترقيم الوثيقة قبل أن تتحول الى الصيغة الرقمية. تتوقف سمر ميقاتي، أمام مجموعة عيسى إسكندر المعلوف، التي اشترتها المكتبة عام 2015، وتضم وثائق وكتبا ومطبوعات نادرة، وأبحاث العلامة، وبطاقات بريدية من أرجاء الأرض وحوالي ألف صورة.

وتحكي لنا ميقاتي، المتخصصة في العلوم المكتبية والأرشيفية، والتي تولت مهمتها بإدارة المكتبة والأرشيف منذ سنوات عديدة، كيف أن أستاذة بالجامعة، وعمرها قارب على المئة سنة، أودعت مجموعتها في أرشيف المكتبة. وأعطت مثالا على المجموعات الخاصة المودعة في الدائرة من سياسية ووطنية وفنية، كمجموعة الموسيقار وليد غلمية، ورؤساء الحكومات صائب سلام وعبدالله اليافي وشفيق الوزان والرائدة إميلي فارس إبراهيم، وأنيسة روضة نجار، التي أصدرت ابنتها منى نجار الحلبي كتابا عن ذكرياتها قبل أن تهب المكتبة أرشيفها.
زيارة نائب الرئيس الأميركي ليندون جونسون للجامعة عام 1962


أرشيف الوثائق

تجولنا مع ميقاتي والزميلة ياسمين يونس - أمينة المكتبة المساعدة التي عملت سابقا في أرشيف الصحف الكويتية - في أقسام أرشيف الوثائق، الخرائط، المخطوطات والدوريات التي تبلغ حوالي 4 آلاف مجلة. تحفظ هذه المجموعات بغرف بمواصفات عالمية تحميها من تقلّبات المناخ وفق درجات حرارة ورطوبة معيّنة. شعرت بالرهبة والتقدير لهذا الصرح الجامعي الذي بات أحد منابر التنوير العلمي والثقافي، وأهم مراكز حفظ الذاكرة الجماعية لبلد احتضن جامعة رائدة مضى علي إنشائها أكثر من 160 سنة، تناوب عليها 16 رئيساً امتدت من دانييل بلس إلى د. فضلو خوري، وهي لا تزال تتجدد وتتطور بكلياتها ومراكزها الصحية، رغم الصعوبات والحروب التي واجهتها.


مختبر الترميم والصيانة

تم تخصيص غرفة للترميم والصيانة، ورأيت هنا عملا فنيا متقنا، يقوم به فريق من أربعة أشخاص من تنظيف ومعالجة وترميم. أعادت السيدة شذا الجمال إحياء مخطوط «دلائل الخيرات» من جديد، فرممت الورق وأعادت خياطة المخطوط، كما كان في الأصل.

تكمن أهمية المكتبة في كونها جسرًا يربط بين الماضي والحاضر، حيث تجمع بين المصادر التراثية العريقة والتقنيات الحديثة في الوصول إلى المعلومات، وبذلك فهي لا تخدُم فقط الجامعة، بل تُسهم أيضًا في دعم البحث العلمي على مستوى لبنان والمنطقة العربية ككل.

مخطوطات تم ترميمها


جولة أرشيف الوثائق

رتبت لنا ميقاتي جولة، برفقة الزميلة ياسمين يونس، أمينة المكتبة المساعدة التي عملت لفترة من الزمن في أرشيف الصحف الكويتية في غرف وأقسام أرشيف الوثائق والخرائط والمخططات التي تناهز 1300، والدوريات حوالي 4 آلاف مجلة، وهي محصنة ومحفوظة بمواصفات عالمية تحميها من السرقات وأحوال الطبيعة وديمومة عمرها الزمني وفق درجات حرارة معيّنة.

شعرت بالرهبة والتقدير لهذا الصرح الجامعي الذي بات أحد منابر التنوير العلمي والثقافي وأهم المكتبات والأرشيف في الشرق الأوسط الحافظ للذاكرة الجمعية لبلد احتضن جامعة رائدة مضى عليها أكثر من 162 سنة، تناوب عليها 16 رئيسا امتدت من دانييل بلس إلى فضلو خوري، وهي لا تزال تتجدد وتتطور بكلياتها ومراكزها الصحية وعلومها التي لم تتوقف رغم الصعوبات والحروب التي واجهتها.