ألقت حركة حماس بكرة نار في ملعب رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو المأزوم بنقص المقاتلين، بموافقتها على مقترح مصري ـ قطري لإبرام صفقة تسمح بإطلاق سراح نصف المحتجزين الإسرائيليين الأحياء والأموات في غزة مقابل هدنة 60 يوماً تمهد لوقف حرب الإبادة وتحسين الأوضاع الإنسانية في القطاع المحاصر الذي يواجه سكانه مجاعة محققة.
وأبلغ مسؤول بالحركة الوسطاء المصريين والقطريين بموافقتها على أحدث مقترح لوقف النار في وقت يواجه نتنياهو ضغوطاً داخلية متضاربة بشأن قبول الاتفاق الجزئي، الذي يسمح بإنقاذ نحو 10 محتجزين أحياء لكنه لا يتضمن شروط الائتلاف الحاكم باستسلام الحركة ويخاطر بتبريد خطته لاحتلال مدينة غزة وبقية مناطق القطاع، والتي تم إقرارها أخيراً وسط تنديد دولي واسع.
وفي تأكيد على أن غزة أصبحت على بُعد أمتار من الهدنة، نقل «أكسيوس» عن مصدر دبلوماسي أن ردّ «حماس» يتناسب بنسبة 98 في المئة مع مقترح ستيف ويتكوف الذي وافقت عليه إسرائيل.
وأشار نتنياهو إلى أنه «يتابع الأنباء وانطباعه أن حماس تحت ضغط هائل»، في وقت اعتبر وزير دفاعه يسرائيل كاتس أن «الحركة أصبحت مستعدة للنقاش بعد تأكدها من نوايانا بالسيطرة على غزة».
وفور إعلان «حماس» موافقتها، خاطب وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير رئيس الوزراء المحاصر باحتجاجات شعبية تتهمه بتقديم مصالحه السياسية على «تحرير الرهائن»، بالقول: «إذا استسلمت وأوقفت الحرب فسيكون ذلك بكاء لأجيال وإضاعة فرصة هائلة»، مضيفاً «لدينا الآن فرصة لهزيمة حماس، وأقول لنتنياهو ليس لديك تفويض بالذهاب إلى صفقة جزئية دون هزيمتها».
ووسط انقسام أعمق داخل الائتلاف الحاكم في تل أبيب بشأن الصفقة الجزئية التي ستوقف زخم العملية العسكرية وتسمح للأضواء بالتركيز على جهود إغاثة سكان القطاع ومؤتمر الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية في سبتمبر المقبل، اعتبر وزير الدفاع يسرائيل كاتس أن «حماس وافقت على بحث المقترح فقط بسبب تهديدنا الجدي باحتلال مدينة غزة»، في وقت رأى الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن عودة الأسرى الإسرائيليين «لن تتحقق إلا بمواجهة حماس وتدميرها وكلما حدث ذلك في وقت أسرع، زادت فرص النجاح».
في غضون ذلك، زار وزير الخارجية المصري بدر عبدالعاطي، بصحبة رئيس وزراء السلطة الفلسطينية محمد مصطفى، معبر رفح، من الجانب المصري، حيث عقد مؤتمراً صحافياً أكد فيه أن القاهرة لا تمانع المشاركة في قوات دولية مشتركة لتأمين القطاع مع وجود «أفق سياسي» لحل القضية الفلسطينية. وحذر عبدالعاطي من أن «الشروط التعجيزية» التي تضعها حكومة الاحتلال تحول دون التوصل إلى صفقة شاملة، معتبراً أن «طلب إسرائيل نزع سلاح حماس والقطاع فوراً مستحيل».
وأشار إلى وجود رئيس الوزراء القطري وزير الخارجية محمد عبدالرحمن في القاهرة بهدف دفع جهود الوساطة والضغط على طرفي الحرب لإبرام الاتفاق، مبيناً أن المقترح المتداول حالياً بشأن مستقبل غزة يستند إلى ورقة المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف مع بعض التعديلات، مشيراً إلى وجود توافق على تشكيل لجنة إسناد مجتمعي لإدارة القطاع.
من جهته، وبينما أوضح مصطفى أن السلطة الفلسطينية مستعدة لإدارة غزة فور انتهاء العدوان، كشف أن «لجنة إدارة القطاع التي سنعلنها قريباً هي لجنة تكنوقراط مؤقتة ومرجعيتها الحكومة الفلسطينية»، مؤكداً أنها لن تكون «كياناً سياسياً جديداً» رغم معارضة سلطات الاحتلال لمبدأ عودة السلطة الفلسطينية المتمركزة في الضفة الغربية إلى حكم القطاع المدمر.
وأجرى قادة الجيش الإسرائيلي مداولات بشأن تطبيق خطة احتلال كل غزة عسكرياً أفضت إلى تحذيرات بشأن تحديات تشمل نقل نحو مليون فلسطيني من شمال القطاع إلى جنوبه، إضافة إلى انعدام فرص تحرير رهائن أحياء من أنفاق المدينة التي توصف بأنها آخر معاقل «حماس» الحضرية.
ونقلت هيئة البث العبرية عن قيادة الأركان أنه في ظل «النقص الشديد» بالموارد البشرية فإنه تم اقتراح التوجه إلى الجاليات اليهودية حول العالم وخصوصاً في الولايات المتحدة وفرنسا بهدف تجنيد نحو 700 فرد كل عام، للقتال مع الجيش الإسرائيلي.
وفي تفاصيل الخبر:
تزامناً مع رصد حركة نزوح كثيفة من مدينة غزة تحت وطأة القصف المكثف واستهداف قوات الاحتلال لمنتظري المساعدات، وسط تحذيرات دولية وأممية جديدة من انتشار الجوع في القطاع المدمر والمحاصر وبلوغه حافة المجاعة، أجرت هيئة الأركان الإسرائيلية مداولات مطولة حول خطة احتلال مدينة غزة التي أقرّتها أخيراً، وتعالت خلال المداولات تحذيرات من أن المهمة الأصعب بالنسبة للجيش هي تهجير حوالي مليون فلسطيني من المدينة إلى جنوب القطاع المدمّر، وأن احتمالات إخراج أسرى إسرائيليين أحياء، يتوقع أنهم يوجدون في أنفاق المدينة «ضئيلة جداً».
وأفادت إذاعة الجيش الإسرائيلي بأنه على خلفية «النقص الشديد» بالجنود، يدرس رئيس الأركان إمكانية التوجه إلى جاليات يهودية في العالم لـ«تشجيع تجنيد فتية يهود في سن الخدمة العسكرية من خارج البلاد إلى صفوفه، وخاصة من الولايات المتحدة وفرنسا».
في المقابل، واجه رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو انتقادات من وزرائه، وفي مقدمتهم وزير المالية بتسلئيل سموتريتش ووزير الأمن القومي ايتمار بن غفير لعدم رفضه صراحة إمكانية إبرام صفقة تبادل جزئية. وحذّر الوزراء من أن غموض نتنياهو قد يضع الجنود في الميدان أمام معركة دون أن يعرفوا الحقيقة الكاملة.
وفي خطوة عكست الانقسامات داخل الائتلاف اليميني الحاكم، بعد ساعات من يوم غضب شعبي للضغط باتجاه وقف الحرب وإبرام صفقة لتحرير المحتجزين، أبدى وزير الخارجية جدعون ساعر ورئيس حزب شاس، أرئيل درعي، استعداداً لمناقشة الاتفاق الجزئي.
وفي وقت بات نتنياهو يدرك أن محاولاته للحفاظ على الائتلاف، بعد انتهاء عطلة «الكنيست»، لن تنجح، بسبب انسحاب الأحزاب الحريدية من الحكومة، تحدثت أوساط عبرية عن عقده لقاءات مكثفة مع مقربين حول الاستعداد لاحتمال تبكير الانتخابات العامة.
في هذه الأثناء، رأى الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أن عودة الإسرائيليين «لن تتحقق إلا بمواجهة حماس وتدميرها، وكلما حدث ذلك في وقت أسرع، زادت فرص النجاح».
وقال: «تذكروا أنني كنتُ مَن تفاوض وحصل على إطلاق سراح مئات الأسرى ونقلهم إلى إسرائيل وأميركا! أنا مَن أنهى 6 حروب خلال 6 أشهر فقط، ودمّرت منشآت إيران النووية بالكامل». وختم بالقول: «العبوا من أجل الفوز، أو لا تلعبوا إطلاقاً».
هدنة جديدة
إلى ذلك، تسلّم وفد «حماس» الموجود في القاهرة مقترحاً جديداً من الوسطاء المصريين والقطريين بشأن اتفاق جزئي لوقف النار في غزة لـ 60 يوماً، وإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين على دفعتين.
وأفاد مسؤول فلسطيني مطلع، أمس، بأن المقترح الجديد الذي تسلّمه وفد «حماس» برئاسة خليل الحية، يستند إلى «مقترح المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف الأخير الذي يتضمن إطلاق سراح 10 إسرائيليين أحياء وتسليم عدد من جثث الرهائن المتوفين، على أن تكون هناك مفاوضات فورية لصفقة أشمل بما يضمن التوصل إلى اتفاق بشأن اليوم التالي لانتهاء الحرب والعدوان، بوجود ضمانات». وقال إن «حماس ستجري مشاورات داخل أطرها القيادية ومع قادة الفصائل حول المقترح الجديد».
في موازاة ذلك، أوضح مسؤول في حركة الجهاد أن وفود الفصائل في القاهرة تسعى «للتوصل لوقف إطلاق النار في غزة وفقاً لما طرحه الوسطاء لمنع تنفيذ خطة احتلال قطاع غزة ومنع تهجير مواطني القطاع». كما أكدت حركة فتح، التي يتزعمها رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، دعمها للمقترح المصري.
دفع الوسطاء
في غضون ذلك، شدد وزير الخارجية المصري، بدر عبدالعاطي، إثر استقباله رئيسَي الوزراء الفلسطيني محمد مصطفى، والقطري محمد عبدالرحمن، على تعزيز الجهود المشتركة من أجل ممارسة أقصى درجات الضغط على طرفَي الحرب للتوصل إلى اتفاق، لأن الوضع في غزة «يتخطّى كل ما يمكن تصوره»، مشيراً إلى أن بعض الشروط جعلت إبرام صفقة شاملة لإنهاء الحرب مستحيلاً.
وزار عبدالعاطي مع مصطفى معبر رفح، وأكد رفض القاهرة القاطع لتهجير الفلسطينيين، مستنكراً تصريحات نتنياهو عن «إسرائيل الكبرى».
وطالب الوزير المصري بالضغط على إسرائيل لوقف إطلاق النار وفتح المعابر لإدخال المساعدات للقطاع المحاصر من أجل وضع حد للتجويع الممنهج، لافتاً إلى ضرورة تمكين السلطة الفلسطينية من أداء دورها في غزة.
في موازاة ذلك، أكد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، خلال استقباله بن عبدالرحمن، أن إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية هي السبيل الوحيد لتحقيق السلام والاستقرار.
وشهد اللقاء تأكيداً مشتركاً على الأهمية التي توليها مصر وقطر لجهودهما، بالتنسيق مع الولايات المتحدة، من أجل التوصل إلى وقف فوري لإطلاق النار، وإدخال المساعدات الفورية، مع تأكيد الرفض القاطع لإعادة الاحتلال العسكري للقطاع ولأي محاولات للتهجير.
من جهته، كشف رئيس الوزراء الفلسطيني أن لجنة التكنوقراط التي ستتولى إدارة غزة بعد الحرب «تم الاستقرار على أعضائها بالتوافق، وهي جاهزة لمباشرة مهامها فور تهيؤ الظروف بعد انتهاء القتال».
وأوضح أن اللجنة «تتألف من عدد من الخبراء والمسؤولين القادرين على تقديم حلول في هذا الظرف الصعب»، مشيراً إلى أنها لجنة مؤقتة مدتها 6 أشهر، تهدف إلى تيسير انتقال السلطة لاحقاً إلى القطاع، رغم رفض سلطات الاحتلال للخطوة.
أزمة وتهجير
من جانب آخر، دخلت إسرائيل في أزمة دبلوماسية مع أستراليا، إذ قررت إلغاء تأشيرات الدبلوماسيين الأستراليين لدى السلطة الفلسطينية، رداً على إلغاء كانبيرا تأشيرة دخول مسؤولين إسرائيليين لمدة 3 سنوات، بتهمة دعم العنف والاضطهاد ضد الفلسطينيين. وفي سياق قريب، أعلن وزير الخارجية الإسرائيلي أن إسرائيل تعتزم إغلاق القنصلية الفرنسية في القدس، رداً على إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
من جهة ثانية، أمر الوزير ساعر بتقديم «مساعدات إنسانية عاجلة» إلى جنوب السودان، التي أفادت تقارير بأن تل أبيب تسعى إلى إقناع سلطاتها باستقبال غزيين ضمن جهودها لتهجير سكان القطاع.
جاء ذلك في وقت تحدثت هيئة البث العبرية عن تخوّف مصري رسمي من أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب يسعى للضغط على القاهرة من أجل طرح وساطة لإنهاء الخلاف بينها وبين إثيوبيا بشأن سد النهضة ومياه نهر النيل، بشرط موافقة مصر على خطة تهجير سكان غزة.