لو كان ناجي العلي حياً اليوم، لكان وجهه على كل لافتة في الشوارع العربية، ولكانت رسوماته ممنوعة في أكثر من نصف العواصم، ليس لأنها ضد الاحتلال وحده، بل لأنها تكشف العار العربي الرسمي أمام حصار غزة. في زمن تتساقط فيه القنابل على الأطفال، ويختنق مليون ونصف المليون إنسان في سجن كبير اسمه القطاع، كان ناجي العلي سيعيد حنظلة إلى الواجهة، ليس كرمز صامت، بل كطفل يصرخ في وجه العالم: «أين أنتم؟». كان سيرسمه جائعاً على حدود رفح، محاصراً بين جدار إسرائيلي مغلق ومعبر عربي مغلق، يرفع يديه لا في استسلام، بل في اتهام. لن يكتفي ناجي العلي بمهاجمة الاحتلال الإسرائيلي، بل كان سيضع في مرمى ريشته كل يد عربية شاركت في الحصار، وكل عاصمة ساومت على دم غزة مقابل رضا البيت الأبيض، وكل نظام رفع شعار «التضامن» بينما يوقع اتفاقيات أمنية وتجارية مع من يقتل الفلسطينيين. كان سيذكرنا أن الاحتلال لا يعيش على دباباته فقط، بل على صمتنا، وعلى الأنظمة التي تحوّل فلسطين إلى خطاب موسمي في القمم. حنظلة في زمن غزة المحاصرة كان سيقف أمام طابور الخبز، بينما طائرات الاحتلال فوقه، وسيكتب ناجي تحته: «الخبز للبطون، والكرامة للأحرار... فمن أين سنأخذ كرامتنا؟». كان سيرسم الخونة بثياب أنيقة، يجلسون في مؤتمرات «دعم غزة» التي لا تصل أموالها إلى غزة، ويكتب أسفل الصورة: «التبرع الحقيقي هو كسر الحصار... لا كسر الخبز أمام الكاميرات». لو كان ناجي بيننا اليوم، لكانت صفحاته في الصحف الكبرى قد مُنعت، وموقعه على الإنترنت قد أُغلق، وربما لاحقوه بنفس الرصاصة التي أطلقوها عليه في لندن قبل 38 عاماً. لأن صوتاً مثله لا يريحهم، بل يفضحهم، ويذكّر الناس أن فلسطين ليست نشرة أخبار، بل جرح مفتوح، وأن غزة ليست قضية إنسانية مؤقتة، بل اختبار أخلاقي للأمة كلها. ناجي العلي اليوم كان سيعيد إلينا المعادلة التي نحاول نسيانها: إذا كان العدو يقتلك، والصديق يغلق الباب في وجهك، فأنت محاصر من جهتين... لكن الجدار العربي أقسى من الجدار الإسرائيلي. حنظلة، لو كان رسّامُه بيننا، لكان يقف الآن عند معبر رفح، ووجهه للعدو، وظهره للأنظمة... تماماً كما تركه ناجي، لكن هذه المرة بصرخة تُسمع حتى في قلوب من اعتادوا الصمت.
Ad