في خطوة إيجابية تعكس اهتمام رئيس مجلس الوزراء سمو الشيخ أحمد العبدالله بتحقيق تطلعات القيادة السياسية لتحويل الكويت إلى مركز مالي وتجاري جاذب للاستثمارات، والمحافظة على المال العام بالتوازي مع تحسين بيئة الأعمال الكويتية للقطاعين الحكومي والخاص وتطويرها، علمت «الجريدة» من مصادرها أن الحكومة ستعقد اليوم اجتماعاً برئاسة العبدالله ومشاركة هيئات حكومية لمناقشة التعديلات الأخيرة على قانون حماية الأموال العامة والآثار المترتبة عليها.

جاء ذلك بعدما أثارت «الجريدة» في عددها أمس بعنوان (تعديلات «الأموال العامة» تربك بيئة الأعمال) مجموعة من المخاطر التي قد تتعرض لها بيئة الأعمال، خصوصاً الاستثمارات الحكومية وفق تلك التعديلات.

Ad

وكشفت المصادر أن من بين الجهات التي ستحضر الاجتماع هيئات الاستثمار، ومشروعات الشراكة بين القطاعين، وتشجيع الاستثمار الأجنبي، ومؤسسة التأمينات الاجتماعية، لمناقشة رؤيتها للتعديلات وتقديم مقترحاتها الفنية والمتخصصة، بما يعزز من أهدافها الاستثمارية دون المساس بحقوق الدولة في الرقابة على الأموال العامة.

وفي تفاصيل الخبر:

تفاعلاً مع ما نشرته «الجريدة» في عددها أمس الأحد تحت عنوان («تعديلات «الأموال العامة» تربك بيئة الأعمال الكويتية)، حذّر خبراء من تداعيات هذه التعديلات، وأثرها على العمل الاقتصادي والتجاري في البلاد.

اعتبر رئيس مجلس إدارة شركة الاستشارات المالية الدولية القابضة (إيفا)، صالح السلمي، أن التعديلات المقترحة على قانون 1 لعام 1993 بشأن حماية الأموال العامة ستؤدي إلى النفور من العمل الاقتصادي والتجاري.

وأوضح السلمي أن التوسع في تعريف وشمول المال العام، باعتبار المؤسسات التي تُسهم فيها الدولة بنصيب ما، بأي صفة كانت، تغطي وتشمل الداخل والخارج، وتُربك القطاع الخاص، خصوصاً أن النص يقول بنصيبٍ ما، مما يعني أن كمية أسهم قليلة تجعل أي كيان خاص مالاً عاماً. والمستغرب هو: هل سينسحب ذلك على مساهمات الدولة في بنك أوف أميركا أو مرسيدس أو استثماراتها في دول الخليج؟

وأضاف السلمي: «التعديلات تمثل كارثة، بما تحمله الكلمة من معنى. في الوقت الذي يتطلع الجميع إلى تمازج وشراكة وتوأمة بين القطاعين العام والخاص تقود إلى تسهيلات تؤدي إلى تطوير اقتصادي وتنمية يتم وضع عراقيل».

وبيَّن أن الشمولية والتوسع، وفقاً لهذا النص الوارد في المادة 3 والتفسيرات التي ستأتي، لا تصب في المصلحة العامة، وستكون تبعاتها السلبية أكثر على النشاط الاقتصادي.

بدوره، تساءل الخبير الاقتصادي الرئيس الأسبق لاتحاد المصارف الكويتية، عبدالمجيد الشطي، مستغرباً: إلى متى نحل المشاكل بأسلوب التعميم؟! فليس الكل «حرامي» ويريد أن يسرق من المال العام.

وشدَّد على أن مثل هذا التعميم الذي تحتوي عليه التعديلات المقترحة على القانون 1 لعام 1993 بشأن حماية الأموال العامة ستكون له تبعات أيضاً على تعامل المصارف مع العاملين في الشركات الوارد ذكرها في هذا المقترح.

وتابع: «حالياً يُعد القياديون في المؤسسات الحكومية شخصيات ذات اعتبار سياسي، وهناك بعض البنوك العالمية لا تفتح لهم حسابات أو تطلب منهم شروطاً تعجيزية، فما بالك إذا أُقر هذا القانون المقترح؟».

ومن جهته، أكد نائب رئيس مجلس الإدارة الرئيس التنفيذي للشركة الأولى للتأمين التكافلي، حسين العتال، أن التعديل المقترح يجب أن يكون محدد النسبة وواضحا بدلاً من التوسع بمصطلحات شاملة مثل «نصيب ما»، وهي تعني أي نسبة مساهمة وأي حصة كافية لأن تصبح الشركة مالاً عاماً، ويندرج تحت هذه المظلة أعضاء مجلس الإدارة أيضاً.

وأشار العتال إلى أنه منذ صدور القانون في عام 1993، وتضمن المادة 2 منه نسبة 25% لتصبح الشركة مالاً عاماً كانت محددة وواضحة ولم يعترض عليها أحد، لكن التوسع بهذا الشمول المقترح حالياً بأي نسبة وبأي نصيب ستكون له تداعيات سلبية.

وقال إن هذه التعديلات الفنية التي تمس الجانب الاقتصادي والتجاري تحتاج إلى نقاشات موسعة وعميقة وتأهيل قبل التطبيق، حتى يعرف كل طرف ما له وما عليه من التزامات واستحقاقات، مبينا أن فقرة «بأي نصيب ما» تندرج تحت مظلتها المساهمة المباشرة وغير المباشرة.

وشدد على أن التعديل المقترح يحتاج إلى إعادة نظر وتحديد واضح للنسب حتى يكون التطبيق مرنا ومقبولا، ومن دون تأثيرات سلبية على القطاع الخاص، مشيرا إلى أن النص المقترح فضفاض، ولا بُد من تحديده بشكل لا لبس فيه ليكون واضحاً للجميع.

المستشار العام رئيس الإدارة القانونية في البنك الأهلي الكويتي د. نواف الشريعان

هل تجاوز النص غاية المشرع؟

إشكالية التداخل بين الفقرتين أ وهـ من المادة 3... هل توسع القانون أكثر مما يجب؟

تثير التعديلات الأخيرة على قانون حماية الأموال العامة جملة من الملاحظات الجوهرية التي تستحق التوقف عندها، لكن سوف نتطرق إلى أهم ما تثيره من مشكلات واقعية:

أولاً: اتساع نطاق مفهوم الموظف العام

أدخل المشرّع تعريفاً جديداً يوسع دائرة الموظف العام، لتشمل أعضاء مجالس الإدارات والمديرين في الشركات والمؤسسات التي تساهم فيها الدولة أو الهيئات العامة، حتى إن كانت المساهمة جزئية أو رمزية. هذا التوسع، وإن كان يهدف إلى تعزيز الحماية، لكنه يضع القطاع الخاص أمام قيود قانونية قد تمس استقلالية قراراته، وتُحدث ازدواجية مع أحكام قانون الشركات رقم 1 لسنة 2016، وعلى الرغم من ذلك فإن غاية المشرع واضحة في الفقرة الأخيرة «هـ» من المادة 3، وهذا ما جاء القانون ليشمله، فهل هناك تعارض مع التعديلات الأخرى التي تضمنتها التعديلات؟

ثانياً: الفقرة «أ» من المادة 3 وتوسّع نطاق الرقابة

أخطر ما ورد في التعديلات أن الفقرة «أ» من المادة 3 اعتبرت أن مجرد خضوع أي شركة لرقابة جهة حكومية يجعل موظفيها في حكم «الموظفين العموميين». هذا النص يفتح الباب واسعاً لإخضاع شريحة ضخمة من موظفي القطاع الخاص للمساءلة الجنائية على أساس قوانين المال العام، حتى لو لم تكن هناك مساهمة رأسمالية من الدولة. وبذلك تختلط الحدود بين ما هو رقابي تنظيمي (كالمتابعة التي تقوم بها هيئات مثل بنك الكويت المركزي أو هيئة أسواق المال) وبين ما هو صفة وظيفية عامة، ما قد يثير إشكالات عملية في إنفاذ القانون، ويؤدي إلى عزوف القطاع الخاص عن الانخراط في شراكات مع الدولة، بل حتى في الطرح للاكتتاب العام، والإدراج في أسواق الأسهم، وعلى الأخص أن هناك توجها لإنشاء أسواق مالية للمشاريع المتوسطة والصغيرة، بما تزداد معه خطورة مثل هذه الشمولية في الفقرة المذكورة من نص المادة 3 سالفة البيان.

ثالثاً: التداخل بين الفقرتين «أ» و«هـ»

إن التوسع الذي جاءت به الفقرة «أ» يؤدي بحكم اللزوم المنطقي إلى استغراق حكم الفقرة «هـ» التي تنص على اعتبار أعضاء مجالس الإدارات والمديرين في المؤسسات والشركات التي تساهم فيها الدولة أو الهيئات العامة موظفين عموميين. فإذا كان مجرد خضوع الشركة لرقابة جهة حكومية كافياً لإسباغ هذه الصفة، فإن ذكر المساهمة الرأسمالية في الفقرة «هـ» يصبح تحصيل حاصل. وهنا يثور التساؤل: هل هناك داعٍ لوجود الفقرة الأخيرة في ظل شمول الفقرة «أ» لها بالفعل؟ هذا التداخل التشريعي يفتح الباب أمام ازدواجية في التفسير ويضعف البناء المنطقي للنص.

رابعاً: تعزيز أدوات الرقابة والعقوبات

تتسم التعديلات بتشديد العقوبات، سواء في حالات الإضرار العمدي حتى دون تحقيق منفعة شخصية، أو في الغش بتنفيذ العقود الحكومية، إلى جانب توسيع نطاق حظر إفشاء الأسرار لما بعد انتهاء الخدمة. هذه التشديدات تعكس إرادة واضحة في محاربة الفساد، لكنها تفتح الباب أمام إشكاليات عملية تتعلق بحدود المسؤولية والتمييز بين الخطأ الإداري والجرم الجنائي.

خامساً: الأثر الاقتصادي والقانوني

يمتد تطبيق القانون إلى الاستثمارات الخارجية للدولة وصناديقها، ما يجعل مديري الشركات الأجنبية التي تستثمر فيها الكويت خاضعين لولاية القانون الكويتي. هذا الامتداد قد يثير إشكالات في التكييف القانوني والتعارض مع قوانين الدول المضيفة، ويضعف جاذبية الاستثمار المشترك.

الخلاصة

التعديلات الأخيرة تحمل رسالة قوية في اتجاه تعزيز النزاهة وحماية المال العام، لكنها في الوقت نفسه تطرح تحديات عملية وقانونية على مستوى اتساق التشريعات، وتوازن العلاقة بين القطاع العام والخاص، واستقرار البيئة الاستثمارية، أما الفقرة «أ» من المادة 3 فتمثل اتساعاً مفرطاً قد يفضي إلى خلط خطير بين الوظيفة العامة والعمل الخاص الخاضع لرقابة تنظيمية، كما أن استغراقها بحكم اللزوم للفقرة «هـ» يطرح إشكالية تشريعية حول جدوى الإبقاء على النص الأخير، ما يستدعي مراجعة دقيقة للصياغة لضمان الاتساق الداخلي للنصوص وتفادي ازدواجية التفسير.

أستاذ قانون جنائي بكلية الحقوق ومحامٍ في «أركان للمحاماة» د. محمد بوزبر

اتساع مفهوم الموظف العام وإمكانية استيعابه صفات وظيفية جديدة مستقبلاً

قراءة في مشروع تعديل قانون رقم 1 لسنة 1993 بشأن حماية الأموال العامة

مضى على إقرار قانون رقم 1 لسنة 1993 بشأن حماية الأموال العامة أكثر من 30 عاماً، وتعرض هذا القانون للعديد من محاولات التعديل التي لم تنجح، حتى جاء مشروع «الفتوى والتشريع» في عام 2025 ليلقي بظلاله حول مدى تقبّل هذا القانون بنصوصه المشددة في ظل التوجه نحو جعل الكويت مركزاً مالياً اقتصادياً.

حيث بالاطلاع على القانون القائم لسنة 1993، جاءت المادة 2 وحددت ما يعتبر مالاً عاماً، وتلك المادة لم ترد عليها أية تعديلات في المشروع الجديد، وظلت قائمة دون تعديل، بالتالي فإن المقصود بالمال العام ظل قائماً كما هو ومنه الشركات والجهات والمؤسسات الخاصة التي تمتلك أو تساهم الدولة فيها بنسبة لا تقل عن 25% برأسمالها بصورة مباشرة أو غير مباشرة.

أما المادة 3 من القانون القائم فنصت على أنه يعد في حكم الموظف العام في تطبيق أحكام هذا القانون الأشخاص المنصوص عليهم في المادة 43 من القانون رقم 31 لسنة 1970 المشار إليه.

ومؤدى ذلك أن المشرع في القانون القائم قد أسبغ الحماية بالتساوي بين المال العام والوظيفة العامة ذاتها أو ما في حكمها، من خلال اعتبار القائم عليها في حكم الموظف العام.

فعلى سبيل المثال، فإن الحارس القضائي ليس موظفاً عاماً لكنه في حكم الموظف العام، بالتالي فإن المال المسلم إليه لحراسته إن كان مالاً خاصاً مملوكاً للأفراد العاديين بنسبة 100% تحول إلى مظلة حماية قانون حماية الأموال العامة باعتباره القائم عليه في حكم الموظف العام.

ونصّت ذات المادة السابقة على استبدال عبارة «موظف عام ومن في حكمه» بعبارة «موظف عام أو مستخدم أو عامل» أينما وردت في القانون رقم 1 لسنة 1993 المشار إليه.

ومؤدى هذا التعديل اتساع مفهوم الموظف العام وإمكانية استيعابه صفات وظيفية جديدة مستقبلاً، حيث إن النص الجديد، نجد صداه في تعديل المادة 3 التي وإن كان ظاهرها لم يأتِ بأي تعديل إذ إن نصها هو ذات نص المادة 43 من القانون رقم 31 لسنة 1970 لكن مع ربط نص المادة 3 المادة الأولى من المشروع سوف يتضح اتساع مفهوم الموظف العام باعتبار أن كل الشركات والمؤسسات التي تساهم فيها الدولة بأي نصيب في حكم الموظف العام، بمعنى أنه موظف عام، بالتالي سوف تخضع هذه الوظيفة لحماية قانون حماية المال العام وخصوصاً المادة 14 من القانون رقم 1 لسنة 1993 وقانون 2 لسنة 2016 بشأن إنشاء الهيئة العامة لمكافحة الفساد وإقرارات الذمة المالية بالنسبة لصفة مدير وما فوق.

وذلك أنها لم تقصر التجريم بما يعتبر مالاً عاماً بل قصره على الموظف العام بالتالي أي قرار من شأنه يؤدي إلى الإضرار بمال الشركة التي تساهم فيها الدولة بأي نصيب كان يخضع لحكم تلك المادة، التي تصل إلى حد الحبس الذي لا تقل مدته عن 3 سنوات والغرامة التي لا تقل عن 20 ألف دينار، وعلى الموظف في القطاع الخاص بعد إسباغ وصف الموظف العام عليه.

كما أن المادة 12 من المشروع أخضع الموظف العام «حسب التعريف السابق» إلى جريمة الرشوة بغضّ النظر عما إذا كان المال عاماً «نسبة 25% مملوكة للدولة من عدمه»،

طالما أنه يخضع لحكم الموظف العام، ومن ثم قيام أي موظف في القطاع الخاص (بنك أو شركة) تساهم فيها الدولة بأي نسبة وتحصل لنفسه أو غيره على منفعة أو مال يعتبر مرتكباً لجريمة الرشوة.

وتلك الإشكاليات الناتجة عن عدم ربط التعديلات بالمقصود بالمال العام يثير اللبس والغموض حول آلية إنفاذ القانون ووضع كافة العاملين بالقطاع الخاص الذي تساهم فيه الدولة بأي قدر تحت مظلة قانون حماية الأموال العامة بما يحد من استقلالية القطاع الخاص ويثير إحجاماً متوقعاً عن التعاون مع المؤسسات والجهات الحكومية بما يضر بالتعاون بين القطاع الخاص والقطاع العام.

وبجانب آخر... إن إقرار المسؤولية الجنائية للأشخاص الاعتبارية يحمل توسعاً ملحوظاً ومؤثراً بالعلاقة بين القطاعين الحكومي والخاص، إذ سيؤدي إلى تحمّل فئة المساهمين في القطاع الخاص تبعة ارتكاب موظف تابع هذه المسؤولية.

وعليه، نرى ضرورة ربط التعديلات أياً ما كانت وقصرها على الجهات المنصوص عليها في المادة 2 من قانون حماية الأموال العامة حصراً، وعدم صياغتها في شكل عام بحيث يكون النص على الموظف العام لدى إحدى الجهات المشار إليها في المادة الثانية من القانون، وبذلك تتم إزالة اللبس في تطبيق التعديلات بحيث يخرج عن نطاقها الموظفون العاملون في القطاع الخاص والذي تساهم فيه الدولة بأقل من 25% من رأسماله.

* أستاذ قانون جنائي بكلية الحقوق ومحامٍ في «أركان للمحاماة»