تسببت التعديلات الأخيرة على قانون حماية الأموال العامة، التي أقرها مجلس الوزراء الأسبوع الماضي، في اضطراب شديد بأروقة عدد من الهيئات الحكومية، وربكة في استقلالية شركات القطاع الخاص التي تتملك الحكومة وجهاتُها حصصاً فيها أياً كانت قيمتها، سواء داخل الكويت أو خارجها، بعد إعادة تعريف «الموظف العام».

فقد أضاف المشرع الحكومي نصاً صريحاً في القانون بالمادة 3 فقرة هـ، مفاده أن الموظف العام يتضمن «أعضاء مجالس إدارة ومديري وموظفي المؤسسات والشركات والجمعيات والمنظمات والمنشآت إذا كانت الدولة أو الهيئات العامة أو المؤسسات العامة تساهم في مالها بنصيب ما بأي صفة كانت».

Ad

وتشكل الإضافة السابقة باعتبار أعضاء مجالس إدارات الشركات والمديرين بحكم «الموظف العام» تعارضاً مع قانون 1 لسنة 2016 بإصدار قانون الشركات، وهو قانون لاحق خاص نظم مسؤوليات هؤلاء الأعضاء والمديرين وحدد طبيعة المخالفات والعقوبات، فضلاً عن أن النص سيؤدي إلى زعزعة المراكز القانونية للفئات المشمولة به وعدم استقرارها.

فالهيئات المستقلة، مثل هيئة الاستثمار ومؤسسة التأمينات الاجتماعية وهيئة القصّر تمارس أعمالها في الاستثمار والتخارج في أسهم الشركات المدرجة ببورصة الكويت وفق استراتيجية هدفها تحقيق الأرباح، مما يضع مراكز أعضاء مجالس إداراتها وموظفيها رهائن القرار الاستثماري الحكومي، ففي حال الشراء يصبحون موظفين عامين، وفي قرار التخارج ترجع مراكزهم إلى موظفي قطاع خاص.

وحيث إن نطاق قانون حماية الأموال العامة يشمل الشركات التي تساهم فيها الدولة وهيئاتها داخل الكويت وخارجها، فإن ما سبق لا ينطبق فقط على الشركات الكويتية، بل يمتد إلى الأجنبية التي تتملك فيها الحكومة، عبر أذرعها الاستثمارية وصناديقها الاستثمارية، بشكل مباشر وغير مباشر.

وتتعقد العلاقة ما بين الهيئات الحكومية وشركات القطاع الخاص في حال دخول الأولى بأي حصة كانت – مباشرة وغير مباشرة – بالتعديل الآخر المضاف للقانون مادة 13 مكرراً، التي تنص على: «كل موظف عام ومَن في حكمه أضر عمداً بأموال أو مصالح الجهة التي يعمل بها أو يتصل بها بحكم عمله أو بأموال الغير أو مصالحهم المعهود بها إلى تلك الجهة يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن خمس سنوات. وتكون عقوبة الحبس مدة لا تقل عن سبع سنوات إذا ترتب على الجريمة ضرر جسيم بأموال أو مصالح الجهة التي يعمل بها، أو يتصل بها بحكم وظيفته أو بأموال الغير أو مصالحهم المعهود بها إلى تلك الجهة».

ويرى مراقبون أن تلك التعديلات ستجبر الشركات المدرجة في بورصة الكويت على إعادة النظر في استمرارية إدراجها، مما سيترتب عليه ضرر جسيم على الاقتصاد الوطني والمساهمين، في حال قررت الانسحاب لتجاوز وتفادي القيود التنظيمية الجديدة عليها، فالشركات تبحث عن بيئة عمل تمارس فيه قراراتها التجارية والاستثمارية باستقلالية وحرية، وتحقيق الأرباح أو الخسائر أساس أي عمل تجاري، مما يتعارض مع العقوبات الواردة على الموظف العام في القانون المحدث.

ولا يتوقف الأمر على أعمال الشركات الكويتية المدرجة، بل يمتد إلى استثمارات الشركات الأجنبية في «المحلية»، لا سيما ممن لديهم ممثلون في مجالس إدارات تلك الشركات، وقد يترتب على ذلك انسحاب المستثمر الأجنبي من بيئة الأعمال الكويتية بعد تغيير المفاهيم وتجنباً للعقبات الإدارية والعقوبات الجزائية.

ومن شأن التعديلات أيضاً إثارة محاذير لدى الشركات الأجنبية التي تستثمر فيها الصناديق السيادية الكويتية، مما يجعلها عميلاً غير مرحب به، فعلى سبيل الواقع، فإن الكويت تملك حصصاً في شركة مرسيدس - بنز الألمانية، مما يضع أعضاء مجلس إدارتها والعاملين فيها تحت طائلة قانون حماية الأموال الكويتي بصفتهم موظفين عموميين، وهذا من شأنه خلق تنازع قضائي بين قوانين الكويت والدول الأخرى المستثمر في شركاتها.

ورغم أن مجلس الوزراء أقر التعديلات على القانون، فإن المجال لا يزال قائماً لإعادة النظر فيها قبل المصادقة عليها، ولعل الاستئناس بآراء الهيئات الحكومية منها هيئة الاستثمارات، و«التأمينات»، و«تشجيع الاستثمار»، و«القصّر»، و«مشروعات الشراكة بين القطاعين»، والتي ترتبط تلك التعديلات بصميم أعمالها، خطوة ضرورية لتجنب عواقب مستقبلية غير محسوبة المخاطر، ونظراً لارتباط التعديلات بشكل مباشر بالأموال الاستثمارية، فإن تشكيل لجنة مشتركة بين الهيئات السابقة ورفع مذكرة موحدة لمجلس الوزراء أفضل مسار للوصول إلى صيغة تحمي الأموال العامة من جهة، وتحسِّن من بيئة الأعمال الكويتية من جهة أخرى.