«كذا الدنيا نزول وارتحال»، لطالما تردد شطر هذا البيت المليء بالعبرة والشجن، في وصف تقلّب الأوضاع وتغير المحيط الاجتماعي والأسري، وهو الواقع الذي نعيش، سواء سفر جار عزيز، أو أصدقاء مقربين، أو أحبة كانوا بيننا، لكننا وقتها لم نكن نسمع أنينا، لا نشعر بالألم، ولا نعرف النهاية.

اليوم تبدلت الحال، فأصبحنا الرحلة والركاب، نعيش الألم والحنين، ونخاف من النهاية... أي سفر هذا الذي يبحر فينا نحو المجهول، رغم شراعه المتهالك، وركابه الذين أدمت عيونهم عتمة المحطات، هل كبرنا على الفرح فجأة، أم مزقتنا الأحزان بلا رأفة، ما هذا الجرح الذي لا يريد أن يندمل، دموع العيون جفت، والمشاعر تتقلب كل لحظة مع أي نسمة هواء، والأيام تمضي!!

Ad

البعد ينهش الأرواح، الليل ملجأ الباكين والحيارى، ودائرة الوجع تتسع وتكبر محتضنة عقارب الساعة، لعلها تتوقف هنا أو هناك، أو حتى في زوايا المدينة التي ودعت أهلها وتوسدت ذكرياتهم!!

نعم، تلك المدينة الباكية على الطفلة التي تشابكت جدايلها بأسوار الذكريات، وعلى الجدة التي ارتسمت تحت عينيها صور وحكايات تروي كل خطوة نبضت في المكان، بضحكاته وآهاته، وكل لحظة اختلطت فيها الأحاسيس حتى تاهت في هذا الزمان.

حين يأتي الجواب صدى يتردد في أرجاء المنزل، تكتب لنا أشياؤهم سلاماً فنتبسم، قد يصبح وحيداً، حزيناً ويشكو بصمت دافئ، لكنه حين يلجأ إلى الله يدرك الحقيقة، ويتيقن أن الأيام صادقة رغم غربتها.

كيف ومتى ولماذا؟ تساؤلات تنتهي في الغالب بإجابات وافية أو مختصرة أو حتى خجولة، لكنها ظلت حائرة ومكتوفة أمام تلك الحسرة التي مزقت صدر ذلك الشاب وهو يقلّب كراسته، ومع كل صفحة يسمع صوت الجرس، وصوت زملائه في الفصل ومعلمه الذي يعاتبه دائماً في طابور الصباح، اليوم يفتقده ويتمنى رؤيته مجدداً، وإن كان اللقاء على أطلال المدرسة!