منذ بدء الخليقة والإنسان كائن له فضوله وحُبه للاستطلاع. وقد شغلت مسألة التعليم كل بني البشر، باختلاف ثقافتهم وبيئاتهم، خصوصاً أن الإنسان كائن عاقل قابل للتعلُّم، ويحتاج للتربية والتوجيه كحاجته للطعام والشراب.
وفي كل قطر وجماعة بشرية نجد ما يسمَّى بـ «تاريخ التعليم»، وفيه الأساليب التعليمية القديمة التي كانت بسيطة ومحدودة، ثم تطوَّرت وتحوَّلت إلى ما يُعرف بـ «التعليم النظامي»، فشيِّدت المدارس، وتعدَّدت التخصصات، وكثرت المواد، ووُضعت المناهج.
رغم الانتقال الكبير الذي حصل في تاريخ العملية التعليمية، وتفاوته بين الشعوب، توجد سمات مشتركة في كل الأجيال والدول، لعل أبرزها، من الناحية الإنسانية، هو وجود طلابٍ ناجحين، وطلابٍ راسبين- وفق الوصف المدرسي، طلاب لم يتجاوزوا المنهج أو لم يؤدوا- كما هو محدَّد ومطلوب- للنجاح، وفق رؤية المدرسة ومنهجيتها، فلم ينتقلوا إلى المرحلة التالية.
هؤلاء الذين يصفهم معلموهم وأقرانهم بـ «الكُسالى»، حتى بعد مرور الزمن، ووصولهم إلى مرحلة متقدمة في الحياة والعُمر.
يتذكَّر شخص ما زميلاً له، بأنه كان «كسلاناً»، لأنه حصَّل نتائج منخفضة، كان صامتاً أو مشاغباً، وربما أعاد ذات المرحلة. صُمِّمت نظرة واحدة إلى هذه الفئة من الطلبة على أنهم مهملون وفاشلون، وربما لديهم عدوان، ومشاكلهم كثيرة داخل المدرسة وخارجها.
كان الحُكم قاسياً، باعتقاد أنهم أغبياء لا يصلحون لارتياد المدرسة، ولن يصلوا إلى مراكز وظيفية أو يحظوا بدخلٍ مناسب، فهم بُسطاء عقلياً، وسيبقون على الهامش!
إذا تحدَّثت في هذا الأمر، فلن أنتهي، بحُكم أن المجال الاجتماعي والتربوي من صميم تخصصي، لكن تركيزي في هذا المقال على المجموعة التي يُحكم عليها بالفشل بسبب الجانب الدراسي. الدراسة جزء من حياة الإنسان، لكنها في الأساس التعليم، والتعليم ليس حصراً على المدرسة كمنشأة تعليمية، لأنه عملية دائمة لا تتوقف طيلة حياة الإنسان، فالمعارف تُكتسب بصورة يومية. والدماغ يُعيد تشكيل الخبرات، وينظم المعلومات باستمرار.
الإنسان كائن معقد، وتتداخل فيه الجوانب الجسدية، والروحية، والفكرية، والاجتماعية. وطالما وقع ظلم بيِّن على كثيرٍ من الناس لأنهم لم يوفقوا (فيما رسمه المنهج) للنجاح! لكنهم في الحقيقة ناجحون اجتماعياً، وأذكياء عاطفياً، ولديهم معلومات مختلفة، ووعي بمحيطهم، بل إنهم مُبدعون في مجالات رياضية أو حرفية، ويتميزون بشخصيات جذابة، والحديث معهم مُمتع.
مع نمو الدراسات وكثرة التصنيفات ظهر لدينا مصطلح «صعوبات التعلُّم»، وكيف تؤثر أساليب التدريس على وصول المعلومة، وأن للمتعلمين «مفاتيح» مختلفة لتحقيق الفهم والاستيعاب.
أعتقد أننا جميعاً صادفنا أشخاصاً مميزين لم يُكملوا تعليمهم، ولم يحظوا بألقاب، لكنهم مُهذبون، وعلى قدرٍ من العلم، مقابل أشخاص فائقين دراسياً، لكنهم يفتقرون إلى المهارات الاجتماعية.
الإبداع ليس أن تنجح فيما هو مخطَّط ومرسوم ومحدَّد، الإبداع أن تنمو، وتُضيف، وتتجاوز على طريقتك الخاصة، بما يجعلك فرداً فعَّالاً مستقلاً.