كنت أتخيل كيف سيكون هذا المشهد الفظيع! عندما يستيقظ «شمعون» الذي كان من عصاة بني إسرائيل، على صرخات حيوانية تملأ المكان... صرخات قردة وخنازير... «ما هذا؟ من أين جاءت هذه القرود؟! أين زوجتي وأين أهلي؟!». فيحاول أن يستنجد فلم يخرج منه إلا صوت حاد قبيح، صوت قرد مهين كأنه صافرة مكسورة مزعجة... ومنظره وهو يرى يديه كيف تحولت إلى طرفين قصيرين كثيفي الشعر، وأصابعه منكمشة بلا إرادته، وظهره مقوّس أحدب، وكيف أصبح حيواناً عارياً مقرفاً... وكيف كان شعوره عندما عرف أنه مُسخ قرداً، وأنها لعنة الله عليهم.
بدأت القصة عندما رفض بنو إسرائيل أن يكون يوم الجمعة عيداً لهم وخالفوا الأوامر، واختاروا السبت وتمسكوا به. فلما أصرّوا على تعظيم السبت، ابتلاهم الله فيه، فحرّم عليهم صيد السمك وأكله في هذا اليوم الذي اختاروه.
وكان من عجيب الابتلاء أن تأتيهم الأسماك الكبيرة بكثرة وتقترب منهم يوم السبت، وتظهر على وجه الماء، فإذا انقضى السبت اختفت، فلا يرون سمكة صغيرة ولا كبيرة حتى يأتي السبت التالي. ظلّوا على هذه الحال حتى طال عليهم الأمر واشتد شوقهم للأسماك. فأقدم أحدهم على حيلة وأخذ سمكة يوم السبت خفية، وخزمها بخيط وأعادها إلى الماء، وربطها في وتد على الشاطئ، وتركها حتى اليوم التالي، ثم جاء وأخذها وقال: «لم أصطدها يوم السبت!»، ثم أكلها. وعاد في السبت التالي يفعل مثل ذلك. وانتشرت رائحة الأسماك في القرية، فشكّ الناس حتى اكتشفوا فعلته، فقلّدوه جميعاً بل ابتكروا مصايد أفضل منه! وأكلوا سراً زمناً طويلاً، ولم يُعجّل الله عليهم بالعقوبة، حتى صاروا يصطادون بهذه الطريقة علانية ويبيعونها في الأسواق.
وبينما هم على ذلك، خرجت البقية الصالحة في ذلك الصباح، فوجدوا شوارع القرية خالية، والبيوت مغلقة على أهلها، فاستغربوا الأمر. فقال بعضهم: إن للناس لشأنا! فانظروا ما هو! فتسلقوا الأسوار التي كانت بينهم وبين المحتالين العصاة، فرأوهم قد مُسخوا قردة! وعرفوا كل واحد منهم بعينه. وصار كل قرد يأتي قريبه من الإنس فيشم ثيابه ويبكي ندماً وحسرة.
قال ابن عباس: وإنهم ليعرفون الرجل بعينه وإنه لقرد، والمرأة بعينها وإنها لقردة، والصبي بعينه وإنه لقرد.
أعزائي القراء، إن هذه العقوبة الإلهية من أثقل العقوبات التي وقعت على بني إسرائيل، إلى درجة أنهم أنكروها وحذفوها من كتبهم. والغريب أن كلمة «قرود» اختفت من الكتاب المقدس برمته إلا من موقع واحد «في التجارة». وذُكر في «التلمود والمدراش» قصصاً عن تحول بعض البشر إلى قرود وأرواح شريرة كعقوبة، في قصة «بناء برج بابل».
وأشار بعض الباحثين إلى أن اليهود أخفوا هذه القصة في كتبهم غير الرسمية بسبب شدة إذلالها لهم، فهي طعنٌ في كرامتهم التاريخية، وكانت هناك حساسية كبيرة لدى القوم من هذه الكلمة.. فهم يزعمون أنهم شعب الله المختار وأحبّاؤه!