• ماذا عن سعيك الدؤوب لتأسيس نظرية نقدية عربية لأدب الأطفال؟

- في أطروحتي للدكتوراه عن: «ملامح التشكيل السردي وتوظيفه في أدب الأطفال العربي المعاصر» خلصت منها وقد تأكد لدي أن أدب الأطفال هو في المقام الأول فنٌ، وهذا رأي يخالف تيارا كبيرا في المشهد الأدبي والنقدي الذي يتعاطى مع أدب الأطفال بوصفه وسيلة تعليمية وتربوية في المقام الأول، مما يترتب عليه أن تتراجع المقومات الجمالية في مقابل المقومات النفعية، وبالتبعية فلن يتبقى إلا النذر اليسير الذي يقوى على النقد بالمعنى العلمي والكامل للممارسة النقدية، وبالتالي سيظل أدب الأطفال في منزلة أدنى من منزلة أدب الكبار، وهي الفكرة التي وجدتني في تحدٍّ معرفي معها منذ البداية، والتي تضمر نظرة دونية نحو أدب الأطفال، وهي لها جذور مترسخة في قطاعات كثيرة داخل الوسط الأكاديمي وخارجه، عن قصد ووعي وأحيانا عن دون وعي.

وأدب الأطفال في حاجة إلى تأطير نظري نقدي يصاحب تدفقها الأدبي، حتى ينتقل نحو أفق جمالي جديد، وأعتقد أن أدبنا العربي الراهن للأطفال أصبح مهيأ لبلوغه، وهنا تتكشف ضرورة وجود نظرية نقدية، وإحدى المشاريع النقدية التي أعمل عليها منذ انتهيت من أطروحة الدكتوراه وحتى الآن هو العمل على بناء مثل تلك النظرية، والجزء الأول من ذلك المشروع سيرى النور قريبا في كتاب سيصدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب.
نيتشة والسرد الروائي
Ad


• ما الذي أردت أن تجعل قارئك العربي عليه وأنت تقدم له كتابك النقدي «هكذا تكلم النص» الصادر مؤخرا عن دائرة الثقافة بالشارقة؟

- «هكذا تكلم النص» العنوان الرئيسى، أما العنوان الفرعي فهو «مقاربات في السرد الروائي»، والعنوان كما هو واضح مستوحى من عنوان نيتشة «هكذا تكلم ذرادشت»، وقد اكتشفت بعد إصداره عددا من الكتب العربية التي استلهمني عنونتها عنوان نيتشة، وكل تجربة نقدية عندي هي مغامرة إبداعية، وهذا العنوان بالتحديد «هكذا تكلم النص» يمثل محور التجربة النقدية في ذلك الكتاب ويعبر عن العامل النقدي المشترك بين نصوصه، ويمكنني صياغة مغامرتي النقدية في هذا الكتاب في المجاز التخييلي الذي يبدأ بالسؤال التالي: ماذا لو حدث التماهي بين ذات الناقد وذات النص فاستعارت الذات الأولى من الذات الثانية معرفتها المضمرة، واستعارت الذات الثانية من الذات الأولى لسانها وقدرتها على الإبانة؟

قد يبدو الأمر هنا أشبه بمفهوم التوحد في الصوفية، غير أنه توحد معرفي من نوع خاص، يحدث بين الناقد والنص، وبالفعل لم أكن أقارب النصوص بنية مسبقة في الكشف عن وضعيات سردية معينة أو إثبات أو نفي فرضيات مسبقة، وإنما كنت أسعى إلى الوصول إلى حالة التماهي تلك، ثم كنت أكتب ما تفيض به على من تجليات معرفة النص. • على المستوى الإبداعي بخصوص قضية الاستلهام، ما أهم الرسائل التي أردت توصيلها؟

- نعيش ظرفا تاريخيا يمتلئ بالتحديات على جميع المستويات، وليس لدينا ترف أو رفاهية الاستلهام من أجل الاستلهام، ولي رأي محدد وصريح في قضية الاستلهام، وهو أنه سواء أكان من حيث نوعه استلهاما إبداعيا أو معرفيا، أو من حيث مصدره عربيا أو غير عربي، أو من حيث زمن مصدره تراثيا أو معاصرا، فلابد أن يلبي حاجة من حاجات الواقع المعاش، فالاستلهام يصبح له قيمة فقط عندما يساعد في تحسين ظروف الواقع المعيش أو يحل ما قد يطرأ عليه من مشكلات، وإذا أردنا أن نكون على مستوى اللحظة التاريخية التي نعيشها فلابد أن نتخلى عن أي تحيز أعمى للتراث، وكذلك عن أية تبعية سلبية للغرب، فلا ميزة لتراث عربي على أعجمي ولا لغربي على شرقي، إلا بقدر إسهامه في تلبية حاجات الواقع المعيش أو حل معضلاته.

• قدمت طرحا حول «تطور ملامح شخصية الخادم السحري في أدب الأطفال العربي»، ما الذي توصلت إليه من خلال دراستك؟

ــ تضمنت هذه الدراسة رصدا لعنصر سردي هو شخصية الخادم السحري عبر منظورين ثقافيين مختلفين، في عملين أدبيين يفصل بينهما حوالي 75 عاما، العمل الأول قصة «علاء الدين» لكامل كيلاني، والعمل الثاني قصة «الخادم السحري» لعبد التواب يوسف، وهما من رواد أدب الأطفال العربي الكبار، ولكننا نجد تباينا شديدا في الرؤية الثقافية بين العملين، فكامل كيلاني عندما استلهم قصة علاء الدين أعاد إنتاج فكرة انتظار مجيئ المخَلِّص الخارجي، فتعتمد عليه الشخصية في تغيير واقعها وحل أزماتها، وليس على فعلها وإرادتها الحرة، وكان الخادم السحري هو الممثل لذلك المخلص داخل القصة، فخلال الأزمات السردية المفصلية التي مر بها «علاء الدين» في قصة كامل كيلاني لم يعتمد على إرادته ولم يبذل مجهودا من أجل تحقيق أحلامه، بل كان الخادم السحري هو من يخرجه من مآزقه ويحقق له أمنياته.

أما عبد التواب يوسف فقد خضع تشكيل ملامح شخصية الخادم السحري عنده إلى رؤية ثقافية مغايرة وأكثر عصرية، رؤية تجعل تغيير الواقع منوطا بالعلم والعمل والإرادة الحرة، فجاءت شخصية الخادم السحري عنده شخصية بائسة تحتاج المساعدة بعد أن فقدت هالة القوى السحرية الخارقة. ويمكننا أن نخلص من سياق هذه الدراسة إلى عدة أمور من أهمها ضرورة الانتباه إلى النسق الثقافي المضمر في ما يتم استلهامه وما يكمن فيه من مضامين ثقافية، وتحري مناسبتها لروح العصر.

• كيف تقيّم المؤسسات الثقافية حالياً وأثرها ومتطلباتها؟

- يخالجني شعور بأن الواقع الثقافي العربي الراهن يمر بطور من أطوار إعادة التشكيل والفرز، وأننا مقدمون على خريطة ثقافية جديدة، ربما ستتبين ملامحها النهائية عما قريب، وأعتقد أن الفترة القادمة ستشهد ازدهارا وتألقا لمنابر ثقافية عربية تتأكد مصداقيتها عبر ما تؤديه من دور ثقافي حقيقي في المشهد، كما أن هناك مؤسسات ثقافية كرتونية تمثل عبأ على المشهد الثقافي بعد أن فقدت مصداقيتها وعششت داخلها الشللية، وفي هذا السياق أود أن أثمن الحراك والدعم الثقافي والإبداعي القوي والحقيقي في الخليج العربي، وأتمنى له مزيدا من النماء والازدهار، فهو إضافة قيمة إلى رصيد المشهد الثقافي العربي في فترة حرجة تمر بها شعوبنا العربية.

نبذة

يعد كمال اللهيب من أبرز النقاد في مجال الأدب، وحاصل على دكتوراه في الفلسفة باللغة العربية وآدابها تخصص «الأدب والنقد» ومن مؤلفاته: «رائحة الخوف» (مجموعة قصصية)، و«تحليل الخطاب الروائي؛ بناء الشخصية مدخلا»، و«الشكل والوظيفة في أدب الأطفال؛ نحو نظرية نقدية» (وهو بداية لمشروع نقدي يعمل فيه على تأسيس نظرية نقدية في أدب الأطفال العربي، و«أثر العلامة؛ قراءات في السرد الروائي»، و«هكذا تكلم النص؛ مقاربات في السرد الروائي»، إصدارات دائرة الثقافة بالشارقة، وشارك في تحكيم عدد من المسابقات المصرية والعربية والسلاسل الأدبية والعديد من المؤتمرات والندوات والفعاليات الثقافية.