تصدر القوانين لتنظيم مجالات معينة من الحياة العامة أو الخاصة متضمنة بالعادة القواعد العامة، والمبادئ الأساسية، دون الدخول في التفاصيل الإجرائية أو الفنية الدقيقة. ولهذا السبب، يُصار عادة إلى إعداد قرارات ولوائح تنفيذية تُكمّل هذه القوانين وتُوضح كيفية تطبيقها في الواقع العملي. وبالتالي فإن اللوائح التنفيذية هي نصوص تنظيمية تصدر لتحديد وسائل تطبيق قانون معين، وهي تختلف عن القانون من حيث المرتبة والوظيفة. إذ يُعد القانون في مرتبة أعلى ضمن سلم التدرج القانوني، وتُعتبر اللائحة أداة تقنية تهدف إلى ضبط التطبيق، لا إلى إنشاء قواعد جديدة خارجة عن إطار النص التشريعي. من الناحية العملية، تكتسب اللوائح أهميتها من كونها الأداة التي تُحوّل المبادئ العامة المجرّدة إلى إجراءات ملموسة وقابلة للتنفيذ. فمثلاً، قد ينص القانون على منح مزايا اجتماعية أو اقتصادية لفئات معينة، لكن دون اللائحة، لا يُعرف على وجه التحديد كيفية تقديم الطلب، والمستندات المطلوبة، والمهل الالزامية، وآليات الاعتراض أو التظلّم... إلخ، وعندما تُؤخر اللوائح أو لا تصدر ضمن إطار زمني ملائم، تتعطل إمكانية الاستفادة من القانون، ويصبح النص التشريعي نظرياً غير قابل للتطبيق العملي، مما يخلق فراغاً تنظيمياً يُربك الإجراءات، ويُضعف فاعلية الإدارة، ويُسهم في تعدد التأويلات والتفسيرات، الأمر الذي يتناقض مع متطلبات دولة القانون وشفافية العمل القانوني والإجرائي. وعليه، فإن مسار صياغة اللوائح التنفيذية وإصدارها، يعدّ جزءاً من عملية بناء القاعدة القانونية، وليس أمرًا لاحقًا أو منفصلاً عنها. مما يُفترض الانسجام بينهما، الدقة والوضوح في صياغة نص اللائحة وقابليتها للتطبيق العملي، مع عدم خروجها عن نص القانون، بحيث لا ينشئ النص التنفيذي أي التزامات جديدة لم ينص عليها في التشريع نفسه. وفي السياق، تُعد الرقابة القانونية والقضائية على اللوائح التنفيذية إحدى الضمانات الأساسية للحفاظ على «مبدأ المشروعية»، بحيث إذا صدرت لائحة تضمنت ما يخالف أحكام القانون أو يتجاوز حدوده، يمكن الطعن فيها أمام المحكمة الإدارية المختصة، لكونها نصوصاً تنظيمية وليست تشريعية. من جانب آخر مهم، يقتضي التنويه إلى أن بعض القوانين تبقى غير مفعّلة لفترات طويلة نتيجة غياب اللوائح، وهو أمر يمسّ بمبدأ الأمن القانوني، ويؤثر على الثقة في فعالية المنظومة القانونية التي يقتضي أن تكون مكوناتها واضحة، مستقرة، ومعلومة من قبل الجميع. فمن غير المنطقي أن تُنشر قوانين تتعلق بالتنظيم الإداري، أو بمنح بعض الحقوق، أو بفرض التزامات معينة، دون أن تُحدّد تفاصيل التطبيق من خلال القرارات التنفيذية، مما يفتح الباب لاجتهادات متعددة، وقد يؤدي في بعض الحالات إلى تباين في المعاملة أو تضارب في الإجراءات. ومن الممارسات المعتمدة في هذا المجال اعتماد آلية واضحة تفرض إصدار اللائحة ضمن مهلة زمنية محددة بعد نفاذ القانون، مما يبقيه غير قابل للتطبيق قبل ذلك، حمايةً للحقوق وضماناً للوضوح التشريعي. في المحصلة، تُعدّ اللوائح التنفيذية جزءاً أساسياً من تفعيل القوانين، حيث إن غيابها أو تأخر صدورها يعرقل التطبيق ويضعف الثقة في النظام القانوني، ويصعّب عملية الإنفاذ. لذا، تتبلور أهمية حرص الجهات المختصة على إصدار اللوائح التنفيذية ضمن المدد الزمنية المفروضة ووفقاً للمعايير القانونية المطلوبة، بما يخدم مصلحة الجميع، ويكرس الحقوق والواجبات.

* كاتب ومستشار قانوني

Ad