لا يكاد يمر يوم دون أن نسمع أو نقرأ في الصحف أو بوسائل التواصل خبر اكتشاف عدد من مزوري الجنسية، وأحياناً بمساعدة كويتيين للأسف، أو القبض على أحد تجار المخدرات أو مروجي هذه السموم، أو نقرأ حكماً قضائياً على أحد سراق المال العام أو بعض المرتشين في قضايا الإقامة، أو خبر القبض على مسؤول في إحدى الجمعيات التعاونية في كمين أعدته الجهات المختصة، أو أخبار الجرائم الإلكترونية، وهكذا تتوالى أخبار الجرائم حتى أصبح مَن في السجن حديث الدواوين، فما هي دلالة كثرة هذه المشاهد والأخبار في المجتمع الكويتي الصغير المسلم؟
هناك من يلوم أجهزة الأمن و«الداخلية»، ويؤكد إهمال إجراءات الحدود والجمارك. وهناك من يلوم أجهزة «التربية» و«التعليم»، ويرى أن كثرة هذه الجرائم تعود إلى أن التعليم أصبح مجرد تلقين وليس زرع الأخلاق والقيم التربوية. وهناك من يجزم بأن السبب هو انصراف الأسرة عن زرع القيم الإسلامية والاجتماعية الصحيحة، وانصراف كثير من الأسر إلى المظاهر الاجتماعية وجمع المال على حساب الاهتمام بالأسس الكويتية القديمة. وهناك من يضع الخطأ على ضعف العقوبات القانونية ويطالب بزيادتها. وهناك من يقول إن السبب هو الاختلال الكبير في التركيبة السكانية ووجود نحو 120 جنسية أجنبية في الكويت تحمل ديانات وثقافات وعادات مختلفة وبعضها لا يحفل بارتكاب الغش ومختلف المحرمات والجرائم.
وهناك من يؤكد أن السبب هو في الصحوة الإسلامية التي ركزت على السنن والعبادات ولم يكن لها تأثير على هذه الجرائم. وعلى العكس هناك من يلقي اللوم على الانفتاح على الأخلاق وأساليب العيش الغربية العلمانية والحرص فيها على جمع المال والمظاهر دون رادع ديني، ويرى أن الثورة الإعلامية الهائلة التي جعلت العالم مثل القرية الصغيرة وأزالت الحدود السابقة في الأخلاق والتصرفات والأزياء والفنون وغيرها أدت إلى انتقال جرائم الغرب إلى بلادنا.
والسؤال هو: على مَن نلقي اللوم؟ ومَن الذي يتحمل المسؤولية؟
بلا شك أن الآراء سوف تختلف، مما يؤكد أننا في حاجة إلى دراسة علمية محايدة ومجردة تنظر إلى جميع العوامل والإجراءات والمسببات، وتخرج بقرارات وتوصيات حقيقية بعيدة عن الأماني.
قال تعالى: «ليْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ».
وهذا خطاب للجميع أنه من يعمل سوءاً فإنه يجزى به، ولا يجوز الاكتفاء بالتمنيات دون عمل حقيقي.
وفي أحد المجالس السابقة اقترحنا أن تنشئ الحكومة هيئة أو لجنة علمية تدرس ظاهرة زيادة الجرائم وتضع الاقتراح المناسب لعلاج كل ظاهرة منها، وتشرح كيفية علاجها في الجهات الحكومية، مع متابعة دقيقة لأي انخفاض أو زيادة في هذه الجرائم، ولكن هذا الاقتراح لم يتم تنفيذه، وأعتقد جازماً أنه لو تم تنفيذه لما شاهدنا هذه الزيادة المقلقة لهذه الجرائم.