قال التقرير الأسبوعي لشركة الشال للاستشارات إنه منذ نحو 81 عاماً، سلّم العالم بسيادة الدولار الأميركي عملة للاحتياطي العالمي، قبلها كانت تلك وظيفة الجنيه الإسترليني، دعم سيادة الدولار قوة الاقتصاد الطاغية، حيث بلغ نصيبه وقتها نحو نصف حجم الاقتصاد العالمي، ذلك ما منح الولايات المتحدة الأميركية القدرة على ربط سعر صرف ثابت لدولارها بالذهب، أو أونصة ذهب مقابل طبع كل 35 دولاراً.

ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى سبعينيات القرن الفائت، دخلت الولايات المتحدة الأميركية عدة حروب، بعضها مباشر، مثل حربي كوريا وفيتنام، وحروب وكالة أخرى، كلها حروب احتاجت إلى نفقات أعلى من قدرة الولايات المتحدة على تمويلها من حصيلة الضرائب، مما أدى إلى تحرير الدولار في أغسطس 1971 من الالتزام بالذهب، وبدأ بعدها التوسع في طبعه اعتماداً على الثقة باقتصادها، وانحسار تنافسية الآخرين له.

Ad

وأضاف «الشال»: لم يعد الوضع حالياً كما كان، وبدأ تدريجياً تآكل هيمنة الاقتصاد الأميركي على الاقتصاد العالمي، وباتت المؤشرات قاطعة على حتمية انتقال ثقل الاقتصاد العالمي إلى الشرق، وبينما تبلغ مساهمة الاقتصاد الأميركي في الاقتصاد العالمي حالياً نحو 26.4 بالمئة، يبلغ حجم الاقتصاد الصيني (الثاني) نحو 17.0 بالمئة وحجم الاقتصاد الياباني (الرابع) نحو 3.6 بالمئة، وحجم الاقتصاد الهندي (الخامس) نحو 3.5 بالمئة من حجم الاقتصاد العالمي، لتحتل اقتصادات آسيا الرئيسية الثلاثة نحو 24.1 بالمئة من حجم الاقتصاد العالمي.

ووفقاً لـ «غولدمان ساكس»، سوف يفوق حجم الاقتصاد الصيني حجم الاقتصاد الأميركي بحلول عام 2035، وسوف يحتل الاقتصاد الهندي المرتبة الرابعة مع نهاية العام الحالي، والمرتبة الثالثة بديلاً للاقتصاد الألماني مع نهاية عام 2028، وفقاً لتقديرات صندوق النقد الدولي.

وأكد «الشال» أنه مع بلوغ الدَّين العام الأميركي أكثر من 36 تريليون دولار، بعد أن كان فقط نحو 10.9 تريليونات عام 2008، ومع بدء الرئيس الأميركي ترامب حربه التجارية التي لم تستثنِ الحلفاء الغربيين، ومع موازنة عامة أميركية توسعية بات اعتمادها أقل على التمويل الضريبي ونفقاتها أكبر وأقل إنتاجية، هناك من يعتقد أنها إجراءات تعمّق الإضرار بالاقتصاد الأميركي والحلفاء الغربيين، من مؤشراتها خفض البنك الدولي لتوقعاته لنمو الاقتصاد الأميركي للعام الحالي بنحو 40 بالمئة ما بين تقريره لشهر يناير 2025 قبل بدء الحرب التجارية، وتقريره لشهر يونيو 2025.

ووفقاً لدراسة لمكتب الميزانية في «الكونغرس» الأميركي لا تشمل أثر الحرب التجارية أو الميزانية الجديدة التوسعية، سوف يستمر عجز الموازنة كبيراً حتى عام 2055 وما بعده، وسوف تدفع الولايات المتحدة الأميركية لفترة 10 سنوات قادمة (2025 إلى 2035) فوائد ديون بحدود 13.8 تريليون دولار، أي المزيد من طبع الدولار.

واستدرك «الشال»: يظل هناك رأي مخالف يعتقد بصحة إجراءات الرئيس ترامب، فعجز الميزان السلعي الأميركي البالغ 1.2 تريليون دولار لعام 2024 ونحو 710 مليارات للأشهر الستة الأولى من العام الحالي، سوف يعوّضه احتمال تحقيق الولايات المتحدة إيرادات جمركية في السنة بحدود 700 مليار دولار، وفقاً لوزير الخزانة الأميركي.

وانخفاض سعر الدولار سوف يجعل البضائع الأميركية أرخص، وغلاء الواردات سوف يقلل منها.

وهو واضح من انخفاض عجز الميزان السلعي الشهري من نحو 163 مليار دولار لشهر مارس الفائت إلى نحو 60.2 ملياراً لشهر يونيو.

وإن نجحت الاتفاقات التجارية بخفض حالة عدم اليقين، فقد ينمو الاقتصاد الأميركي بوتيرة أسرع، وهو ما أشار إليه تقرير صندوق النقد الدولي في يوليو الفائت، وتحقيقه نمواً فعلياً في الربع الثاني بنحو 3 بالمئة، أو أعلى من التوقعات بعد انكماش بنحو -0.5 بالمئة للربع الأول، إلى جانب أن الولايات المتحدة بلد ديموقراطي ديناميكي توجهات إدارته ليست جامدة واستمرارها محدد بزمن.

الغرض من كل ما تقدم هو التنبيه إلى ما يعنينا ضمنه، فهناك قناعة تتسع بشكل مطّرد بأن حقبة وهن متصلة بدأت تتحدى هيمنة الدولار، وتشير الأرقام إلى أن مساهمته كعملة احتياطي عالمي قد انخفضت من 65.7 بالمئة عام 2015 إلى 57.8 بالمئة عام 2024.

ومع الحرب التجارية، انخفض سعر صرف الدولار بين بداية العام الحالي ومنتصف الأسبوع الفائت أو 5 الجاري بنحو 10.2 بالمئة أمام اليورو، ونحو 5.6 بالمئة أمام الجنيه الإسترليني، ونحو 6.5 بالمئة أمام الين الياباني، ونحو 1.6 بالمئة أمام اليوان الصيني، والأخير سعر صرف مدار، وإلا كان انخفاضه أمامه أكثر بكثير، مما يعني تفوق جانب القلق من وهن الدولار على السيناريو المتفائل.

ولعل الأهم هو تآكل الثقة بالقرار الأميركي والولايات المتحدة، العاصمة السياسية والاقتصادية والمالية للعالم، والثقة كانت رصيدها الأهم منذ عام 1971.

ونبّه «الشال» الى أن ذلك الوهن يرجح أن يصبح واقعاً خلال عقد أو أكثر من الزمن، وقد تتخلله مخاطر كبرى، فخسارة بلد بحجم وقوة الولايات المتحدة لامتياز سيادة الدولار أمر جلل لن يمرّ بسهولة، لكنه أمر يستحق الاهتمام الشديد، وربما بناء استراتيجية مرحلية لمواجهته في بلد مثل الكويت، معظم دخله بالدولار، ومعظم استثماراته به أيضاً.

معظم دخل الكويت واستثماراتها بالدولار... والدَّين الأميركي متصاعد

خسارة بلد بحجم أميركا وقوتها لامتياز سيادة الدولار أمر جلل