في ظلّ مناخ متوتر قبل إجراء الانتخابات البرلمانية بالعراق في 11 نوفمبر المقبل، زادت حدّة الأزمة داخل مجلس النواب وتصاعدت الخلافات بشأن مشروع قانون «الحشد الشعبي»، وسط مشادات حادة وانقسامات طائفية واضحة، ألقت بظلالها على الشراكة الوطنية، في وقت تواجه الحكومة ضغوطاً أميركية متزايدة، وتوازنات سياسية داخلية هشّة تهدد الاستقرار التشريعي والأمني.

وشهد البرلمان، الثلاثاء الماضي، جلسة عاصفة تحولت إلى ساحة مواجهة كلامية، بعد انسحاب نواب المكون السنّي واعتراض رئيس البرلمان، محمود المشهداني، على تهميشه، وإدارة الجلسة بغيابه، في حين تمسّك نائبه الأول، الشيعي محسن المندلاوي، بشرعية الجلسة، مستنداً إلى تحقق النصاب بـ 169 نائباً.

Ad

وتزامنت الأزمة مع تصاعد الجدل حول تشريع قانون الحشد الشعبي الذي يصرّ عليه «الإطار التنسيقي»، وسط تحذيرات رسمية متتالية لـ «الخارجية» الأميركية من أن المُضيّ في التصويت عليه سيؤدي إلى «تغيير طبيعة الشراكة الأمنية مع بغداد».

وكشفت الجلسة الساخنة عمق الانقسام داخل المجلس، وأفاد النائب ثائر الجبوري بأن المشهداني توجّه إلى الكافتيريا لإقناع النواب السُّنّة بالعودة وإكمال النصاب، لكنه فوجئ بعقد الجلسة أثناء غيابه، مما اعتبره تجاوزاً على صلاحياته. وقال الجبوري إن المشهداني عاد غاضباً وقال صراحة: «أنا لم أخرج ولم أطلب إجازة، فكيف تُعقد الجلسة؟»، معلناً بطلانها قانونياً.

وفي مشهد مثير، صرخ المشهداني قائلاً: «المكون السنّي مهمش. وهم الأسياد في هذا البلد!»، متهماً أطرافاً سياسية بمحاولة «سرقة المكون السنّي» وتمرير قوانين بمعزل عن توافق المكوّنات.

تصريحات المشهداني قوبلت بتوتُّر داخل القاعة، واتُّهم بمحاولة إثارة الطائفية لكسب تعاطف انتخابي، بينما علّق نواب من الإطار التنسيقي الشيعي بأن من يحاول عرقلة جلسات البرلمان «يقف ضد الدولة».

قانون «الحشد» كان العنوان الأبرز في جدول الخلافات، حيث أصر الإطار التنسيقي على المُضيّ بالتشريع رغم الانقسامات، في حين تحفّظ السنّة والكرد وبعض القوى الشيعية عن بنود القانون المتعلقة بدمج الحشد ضمن المنظومة العسكرية الرسمية.

من جهته، أكد النائب زهير الفتلاوي أن أبرز الخلافات دارت حول التصويت على مجلس الخدمة الاتحادي وتعديلات قوانين الشهادات والتربية، التي تعطلت بسبب كسر النصاب، موضحاً أن بعض الكتل السنيّة رفضت إدراج التصويت على مجلس الخدمة ضمن الجلسة، مما أدى إلى انقسام حادّ في الرئاسة.

الاشتباكات الكلامية لم تقتصر على رئاسة البرلمان، بل امتدت إلى النواب، حيث وقعت مشادة بين علاء الحيدري (الإطار التنسيقي) ورعد الدهلكي (السنّي)، مما دفع الأخير إلى إصدار بيان دان فيه «التجاوزات على شخصية المشهداني والمكون السنّي»، واعتبرها «وصمة عار في جبين البرلمان».

التصعيد السياسي رافقته لهجة أميركية متشددة، إذ حذّرت الناطقة باسم «الخارجية»، تامي بروس، من أن إقرار قانون الحشد سيؤدي إلى «تغيير طبيعة الشراكة الأمنية» مع العراق، ووصفت الحشد بأنه «جماعة مسلحة مرتبطة بإيران»، وأن تمرير القانون سيقوّض سلطة الدولة ويعرّض التعاون العسكري مع العراق للخطر.

وبينما تتكتم حكومة محمد شياع السوداني على موقفها الرسمي، تشير تسريبات إلى أن كتلة «الإعمار والتنمية»، الداعمة للسوداني، ترفض القانون بصيغته الحالية. وأكد النائب سلام الزبيدي أن «تمرير القانون في هذا التوقيت شبه مستحيل»، نتيجة الرفض الدولي والانقسام الداخلي.

وأفادت مصادر بأن المشروع سيُرحّل إلى الدورة المقبلة، لتجنّب مواجهة مباشرة مع واشنطن، رغم ضغوط الإطار التنسيقي للمضي به، وهو ما أكده النائب حسين مردان، مهدداً بكشف أسماء النواب المعترضين، وواصفاً تأجيل القانون بـ «وصمة العار».

وفي ظل انسحاب كتائب حزب الله من مشروع «حزام بغداد»، رأت مصادر برلمانية أن هذه الخطوة تعبّر عن توجُّه متزايد لدمج الفصائل ضمن الحشد بشكل رسمي، فيما شدد النائب ياسر إسكندر على أن انسحاب أي فصيل لن يؤثر على استقرار الأمن، مؤكداً ضرورة احترام أوامر القائد العام للقوات المسلحة.

ومثّل إعلان «حزب الله» وقف مشاركتها في مشروع «حزام بغداد» وتسليم مواقعها إلى الحشد الشعبي تحوّلاً لافتاً في العلاقة بين الفصائل والدولة العراقية. القرار أتى بعد أحداث دائرة الزراعة في الدورة، التي دفعت الحكومة إلى التحرك سريعاً ضد الفصائل.

ورغم أن الكتائب برّرت انسحابها بأنه يأتي لتفويت الفرصة على «من يسعى للنيل من المجاهدين»، فإن مراقبين يرون فيه محاولة لتجنّب مزيد من التصعيد، ورسالة سياسية للسوداني. ويُنظر للانسحاب على أنه خطوة وقائية لإعادة التموضع ضمن الإطار الرسمي للحشد الشعبي، في ظل ضغوط متزايدة لدمج الفصائل داخل مؤسسات الدولة، ولتجنّب فقدان الحصانة القانونية. كما يُحتمل أن تمهّد هذه الخطوة لتحولات أوسع في انتشار الفصائل حول العاصمة، ضمن خطة حكومية لضبط الأمن وإعادة رسم المشهد الميداني.