هناك قاعدة يجب معرفتها تماماً فيما يخص الوجود الحضاري، وأثره البالغ على الناس، والذي أكاد أجزم بأنه من غير جهود الباحثين الجادين بأبحاثهم، فلن تجد أي أثر لهذا الوجود الكامن بين المخطوطات والكُتب الظاهرة، ومقارنتها بتحقيق علمي مع الوثائق المندسّة بين أكوام الورق، فضلاً عن دسائس المعلومات الخفية التي تحتاج إلى البيان والتحليل العلمي الصحيح.

فمن خلال هذا العمل الجاد أراهن بأننا سنرى بصيص أمل في نشر حضارتنا وفكرتها، والتي لا تقل شأناً عن العالم.

Ad

استهلالي بهذه المقدمة هو ما أود الإشارة إليه في موضوع الرجوع إلى الآثار المعمارية والأبنية التراثية القديمة بالكويت، فيما تحمله من معانٍ وقيم وفنيات تُسهم في الارتقاء بالسلّم الحضاري المُشار إليه في بداية المقال. وما مدى ذلك السلم الحضاري إذا أردنا أن نحوم به حول العمارة التاريخية، وأخذنا العمارة الكويتية القديمة موضع الدراسة والتقييم، نحو طموحنا وأملنا في الارتقاء الفكري بها، حتى تشكِّل لنا واجهة أمام مرآة العالم الفني المعماري، لكونه يقسم الإرث والتراث المعماري بكُل حضاراته وأطيافه ومعتقداته وفقاً لما تقتضيه قواعد علم العمارة، حيث يأتي التدريج الفني والتاريخي على النحو الآتي: النسق الحضاري، والنمط المعماري، والطراز المعماري، والأسلوب المعماري، والعناصر المعمارية.

فهي تبدأ من العنصر المعماري (الترتيب الخامس) كعملية وصفية للعنصر المعماري الواحد، كوصف الأبواب ونقوشها، وكذلك الأعمدة وزخرفتها، ثم بعد ذلك إذا تعدَّدت هذه العناصر وارتقت واتضحت ملامحها الفنية، وباتت أكثر نُضجاً، فتتخذ بعد ذلك منحى فكرياً آخر، حيث يمكننا أن نصفها بالأسلوب المعماري (الترتيب الرابع)، وهي بداية وضوح ملامح فنية للعمارة التي يمكنها أن تحمل شكلاً ووصفاً فنياً مُعيناً، حتى إذا ما ارتقت دخلت في خانة الطراز المعماري (الترتيب الثالث)، وهو الذي يرتقي بالفكر المعماري، حيث تجد فيها الملامح الكاملة في وصفها وأشكالها وحقبتها الزمنية، فإذا ارتقى بنا ذلك الطراز، ندخل في خانة أعلى، وهي درجة النمط المعماري (الترتيب الثاني)، الذي يعبِّر بداخله عن مجموعة طُرز نحو مدرسة معمارية تاريخية تجمعهم في مظلتها، ويكون لها تأثير جغرافي في الغالب، والتي إذا ما ارتقت ارتقى بنا ذلك التدريج نحو النسق الحضاري (الترتيب الأول)، حيث نعرف حينها أيّ حضارة نتبع، فضلاً عن تأثيرات الحضارات الأخرى في أفكار العمارة الخاصة بنا.