«لأن كُل شيءٍ قابل لإعادة التشغيل.... حتى نحن».

في كُل أسبوع، نأخذ لحظة تأمُّل، نراجع فيها عادةً، فكرةً، أو علاقةً، ونسأل أنفسنا: هل نستمر بها؟ أم نضغط زر «ريستارت».... ونبدأ من جديد؟

Ad

توقف قليلاً... فقد نسيت نفسك وأنت تنجح.

في عصرٍ تُقاس القيمة بعدد الإنجازات، وتُحدَّد المكانة بسرعة التقدُّم، لم يعد النجاح خياراً، بل صار واجباً يُطاردك من كل اتجاه. نسابق الزمن لا لنعيش، بل لنثبت وجودنا في سباقٍ لا ينتهي. نعمل بلا كلل، نرد على الرسائل في منتصف الليل، نُخطط ليومنا قبل أن نغفو، ونُحمل ذواتنا ما يفوق طاقتها... بلا شفقة.

لكن هذا «النجاح» متى فحصناه من الداخل، نجده هشاً، متعباً، يسرق من صاحبه أكثر مما يمنحه. فخلف الإنجاز اليومي، يقف إنسان مُنهك، متوتر، تُطارده المسؤوليات من كل اتجاه. يعاني آلاماً مزمنة، نوماً متقطعاً، وشعوراً غامضاً بالفراغ، رغم امتلاء يومه بكُل شيء... عدا نفسه.

هذا الفرد المتعب، يحمل جسداً يحترق بصمت، ونفساً تختنق بكثرة الأدوار، معاناته لا تبقى محصورة داخله، بل تمتد إلى مَنْ حوله. فالأب المُجهد يغيب عن طفولة أبنائه وهو يظن أنه يعمل لأجلهم. والأم التي تُنهكها متطلبات البيت والعمل، تُعاني تأنيب ضمير دائماً، فلا تُرضي نفسها، ولا تُرضي مَنْ حولها. الأصدقاء يرونه غائباً حتى حين يكون حاضراً بجسده، والشريك ينتظر لحظة اهتمام لا تأتي، لأن الآخر دائم الانشغال.

ورغم كل هذا الضغط، لا أحد يطلب المساعدة، لا أحد يعترف بالتعب، لأن ثقافتنا مجَّدت «التحمُّل»، وربطت الإرهاق بالقوة، ورأت في الراحة ضعفاً. بينما الحقيقة أن أقوى الناس هم مَنْ يملكون الشجاعة ليتوقفوا، ويعيدوا ترتيب ذواتهم، ويعترفون بصدق: «تعبنا... ونحتاج أن نرتاح».

فالراحة ليست نقيض الإنجاز، بل هي وقوده الحقيقي. تلك اللحظة التي تجلس فيها بهدوء، من دون هدف، من دون تبرير، هي لحظة تستعيد فيها توازنك الداخلي. حين تختار أن تضع هاتفك جانباً، أن تنظر في وجه ابنك وتسمعه حقاً، أن تتمشَّى بلا وجهة، أو تنام باكراً بقلب مرتاح... فأنت لا «تتراجع»، بل تُرمِّم ذاتك من الداخل. فالراحة لا تعني اعتزال الحياة، بل أن تُنصت لصوتك، وتلبي حاجاتك من مكانٍ متزن لا ساكناً. فقط انتبه ألا يتحوَّل التوقف المؤقت إلى تقاعس دائم.

ومن هنا، نفهم أن النجاح الحقيقي لا يُقاس بما تُنجز، أو بالمناصب التي تصل إليها، أو الألقاب التي تُزين بها سيرتك، بل بقدرتك على أن تبقى حياً وأنت تنجز، أن تعود إلى بيتك مُبتسماً لا مستنزفاً، وأن تكون حاضراً في تفاصيل الحياة، لا تمرُّ بها كظلٍ يركض بلا روح.

«ريستارت للحياة» دعوة للترميم الداخلي، ليست لحظة ضعف، بل قمة القوة أن تُعيد تشغيل نفسك حين تبدأ في الانطفاء، أن تعترف بأنك تستحق الراحة كما تستحق التقدير.

توقف قليلاً، لا لتتراجع، بل لتتوازن. ضع نفسك في قلب المعادلة، لا في هامشها.

فالنجاح ليس أن تصل بأسرع ما يمكن، بل أن تصل وأنت لا تزال بكاملك: حاضراً، صافياً، سليم الروح.

اضغط زر «ريستارت»، لا لتبدأ من جديد، بل لتعود إلى نفسك قبل أن تفقدها.

* إعلامية بحرينية