قد تبدو كلماتي قاسية، وقد يُساء فهمها، لكنني لا أكتب لأُعجبك، بل لأوقظك. لا أكتب لتربت على كتفك، بل لأضع مرآة أمامك.

في زمن المجاملات، يُصبح الصدق تُهمة. وفي عصر التصفيق الأجوف، يُصبح مَنْ ينبهك هو العدو، لكن هل هناك تربية بلا مواجهة؟ هل نصنع وعياً من دون أن نهز الجدران؟

Ad

ما أكتبه ليس تنمُّراً، بل هو حُب قاسٍ. هو ذات المفهوم الذي تُدرِّسه جامعات التربية في الغرب بعنوان: «Tough Love»، أي أن تُحب أبناءك بما يكفي لتُصححهم.

نحن نغرق في «تلطيف» الواقع، حتى لم نعد نراه! نُغطِّي فشل التعليم بكلمات منمَّقة. نُبرِّر ضعف القِيم باسم «التطور». نُطوِّب الرداءة على أنها حُرية.

وأنا لا أطيق هذا النوع من المجاملة المؤذية، لأن الأمة لا تنهض بالماكياج، بل بالجرأة. حين أقول إن التعليم مريض، فأنا لا أحتقر المعلمين، بل أستنجد بهم. وحين أصرخ ضد الجامعات، فذلك لأنني أخاف على الوطن من خريج لا يملك عقلاً مستقلاً.

لسنا بحاجة للمزيد من كلمات المجاملة، بل إلى وقفة صدقٍ مع الذات، حتى لو جرحت.

لذلك، سأستمر في الكتابة، وإن صرخ البعض: «أحبطتنا!»، فبعض الإحباط المؤقت أفضل من الوهم المزمن.

أنا لا أكتب لأحبطك، بل لأوقظك، قبل أن يُغلق الباب الأخير على وعينا. أذكر معلمي في المرحلة الثانوية... لم يكن محبوباً. كان صارماً، وصوته حاداً، ولا يعرف المجاملات، لكننا كُنا ننجح بسببه... لا بفضله فقط، بل بخوفنا من أن نُخيِّب أمله.

مرَّت السنوات، واليوم حين نتحدَّث عنه، نذكره باحترام لم نحمله لكثيرين بعده. لم يكن يبتسم كثيراً، لكنه بنى فينا العمود الفقري.

هذا هو الفرق بين المربِّي، والمُدلّل، الأول يُشكِّلك، والثاني يُريحك. في عصرنا الحالي، أصبحنا نخلط بين «النقد» و«العداء». مَنْ يُشير إلى الخطأ يُتَّهم بأنه مُحبط، مُتشائم، سلبي.

لكن التاريخ لا يُكتَب بالمجاملين. النهضة لم يصنعها الذين قالوا: كُل شيء جميل، بل الذين تجرَّأوا على الجدار، وكتبوا عليه: «هنا الخلل».

النقد التربوي ليس هدماً، بل تشخيص. ليس ازدراءً، بل بحث عن علاج. وإذا صمتنا جميعاً، بحجة الإيجابية، فلن يبقى في الوطن إلا الصدى، وواجهة زجاجية لا تصمد في العاصفة.

فاسمحوا لي أن أكتب بحدَّة أحياناً، لأن النوم العميق لا يُوقظه الهمس، بل الصدمة. فما أكتبه ليس لعينيك، بل لعقلك، وليس لراحتك، بل لمستقبلك.

وأنا لا أكتب لأحبطك، بل لأوقظ فيك إنساناً كاد ينام... وهو لا يدري.