تدخل السنة بكثير من التفاؤل غير المبرر، بل تصر على ذلك التعلق بأن القادم أجمل وأكثر إشراقا، ثم تنهار الرسائل بعد انقطاع من الصديقات، نعم تلاحظ أن معظمها من صديقات لا أصدقاء، إحداهن في العقد الثالث وأخرى في الرابع أو الخامس أو حتى السابع، تتفاوت الأعمار والتجارب والخبرات والاهتمامات والظروف المحيطة، حتى الجغرافيا مختلفة إلا أن الشكوى أو الحسرة أو سمّها ما تشاء تبقى متشابهة حد التطابق.

هن نساء يقلن إن الساعات والأيام والسنين تجري بين أصابع اليد وتبقى مسؤولياتهن كما هي، بل هن يقلن إن التوقعات منهن تكبر مع الوقت وتتسع معها المسؤوليات أو العتاب إذا تقاعسن أو تعبن أو حتى قمن بالمسؤولية المطلوبة نفسها لكن على طريقتهن.

Ad

الأصغر تردد: «تعبت من التوقعات وكثرة المسؤوليات فقط لأنني مطلقة»، والثانية ترسل من بعيد رسالة تبدو وكأنها تستنجد «هل أنت في المدينة؟ أردت فقط أن أتحدث إليك عن تعبي المستمر الذي أصبح غير محتمل، كم يتوقعون مني وإلى متى؟ لقد كبرت وأشرفت على أن أدخل خانة العجزة، وما زالوا يطلبون ويطلبون دون مقابل»، وتردد: «إلى متى؟ لقد تعبت وأتمنى أن تنتهي حياتي هنا»، أما الثالثة فتقول: «ربيت وعلمت وكرست حياتي لأسرتي، والآن بعد أن كبروا ما الذي جنيته؟ وأين هم مني؟».

الرسالة الموحدة بينهن جميعا، مع اختلافات التفاصيل، أنهن تعبن من المسؤوليات وتحمل المزيد والمزيد دون أي كلمة شكر أو امتنان، ثم تضاف لكل ذلك الإحساس الدائم بالتقصير، هي الأكثر انخراطاً في مجال العمل النسوي تفسر كل ذلك: «هو مجتمع ذكوري حتى النخاع حتى إن أنكر أو تنكر لذلك»، وهي التي منذ سنين عبرت عن أن الرجل مهما تقدم في الفهم واحترام المرأة فإنه يبقى ذكورياً يتوقع الكثير منها مقابل وجوده في الحياة فقط!! أو حتى أن يكون لها كما كانوا يرددون على مسامعنا في أفلام الأبيض والأسود «ظل راجل ولا ظل حيطة».

كلهن متعبات بجمال شديد، وكلهن مختلفات لا لون ولا فكر ولا شكل ولا سن ولا جغرافيا تجمعهن، إلا ذاك الحمل الثقيل من المسؤوليات والإحساس بأنهن في ساعة العوز لا سند لهن، وحدك تبقين أيتها المرأة في هذا الوطن الممتد، وحدك تحملين تسعة أشهر وتتحملين عناء الولادة الصعبة وآلامها، ثم التربية والمشاركة في توفير احتياجات الأسرة، بل العائلة الكبيرة، أما إذا لم تتزوجي أو كنت مطلقة أو أرملة فاحذري ثم احذري أن تتحولي إلى «حمالة الحطب»، عليك الكثير من المطالب والتوقعات، وإن أخفقتِ أو حتى فكرتِ للحظة أن تسرقي سويعات لك فالويل ثم الويل.

نساء في مهب العادات والتقاليد والتوقعات هكذا هن أو هكذا بدا لي من رسائلهن المتناثرة بين نبرات صوت حزينة بعض الشيء ويائسة كثيراً، نساء في مهب العادات والتقاليد والتوقعات المتراكمة، مطلوب أن تكوني أماً أو زوجة أو ابنة أو جدة أو موظفة وزميلة في العمل أو حتى صديقة، وعليك أن تكوني على قدر هذه الصفات التي تمنح لك، وأن تكوني فوق مستوى الشبهات! وإلا فسقوطكِ حتمي ولا ينالك بعد طول تضحية وعناء ونكران للذات سوى مزيد من اللوم أو العتب، وربما كثير من الكلام الأكثر ذبحاً من الخنجر!

الأم تقول: «ربيت وتعبت والآن أنا وحيدة إلا عندما يحتاجني أولادي للاعتناء بأطفالهم أو تقديم بعض العون، وربما الدعم المادي والمعنوي»، والأخت تقول: «كلهم يرددون: لماذا لا تعتنين أنت بوالدنا ووالدتنا فأنت الوحيدة غير المتزوجة أو المطلقة أو الأرملة فيحملونها ذنباً لم ترتكبه هي!!»، أما الابنة فويل ثم ويل لو لم تترك عملها وعائلتها ومسؤولياتها وتتفرغ لكل مريض أو متعب أو مهموم، وإلا فهي المقصرة في حين إخوتها الصبيان يستمتعون بحياتهم وإجازاتهم وأوقات راحتهم و... و...!

انتهى اليوم برسالة من صديقتي التي خدعها زوجها فسرق كل «تحويشة العمر»، ثم بعد معاناة في بقاع الأرض عادت إلى الوطن لتتلقفها الأخوات والإخوة ويرموا عليها مسؤولية الأم والأب والعم والخالة كبار السن، في حين هم جميعا يستمرون في دعوات العشاء والسهر وصباحات القهاوي المتعددة.

في نهاية نهار طويل ومليء بالهموم والتعب أفكر: ما الذي حصل بعد تعليم النساء وتعبهن؟ ربما مزيد من المسؤوليات وكثير من اللوم والعتب.

* ينشر بالتزامن مع «الشروق» المصرية.