لا بد أن هناك عقدة عراقية اسمها الكويت، وإلا فلماذا هذا الإصرار السمج المهيمن على عقول بعض العراقيين حول الكويت ووهم تبعيتها للعراق؟ رغم الاختلاف الجوهري والواضح بين البلدين، فالكويت جزء لا يتجزأ من شبه جزيرة العرب بتقاليدها وقبائلها وعوائلها وأنظمة حكمها، ليس هناك تشابه يُذكر مع العراق الذي يطلق عليه تاريخياً أرض السواد، فالاختلافات بيّنة في السياسة والثقافة واللهجة، وطريقة الحياة، وحتى في الفن وإيقاعاته البحرية والحضرية والبدوية، ويبدو أن الفشل في حكم العراق هو الذي خلق تلك العقدة.

العراق، على مر تاريخه، تعرّض للاحتلال العسكري من أمم كثيرة، فهو من أكثر الدول العربية التي حكمها المُستعمر، ولم يحكمها عراقي حقيقي إلا في سنة 1958.

Ad

أما الكويت الصغيرة مساحةً فلم تُستعمر عسكرياً، ولم تُحتَل على مر تاريخها، العراق هو الوحيد الذي احتلها بكذبة سرقة نفطه، والذي أثبت ترسيم الحدود الدولي أن العراق هو الذي سرق النفط الكويتي بحفر آبار داخل الحدود الكويتية الحقيقية.

العراق يستند في موضوع تبعية الكويت إلى حجج لا تستقيم لا مع العقل ولا مع المنطق، فالتحجج بفرمانات عثمانية تخص الكويت لهو مثير للسخرية، لأن العراق أصلاً كان ولاية عثمانية، ولا يملك من أمره شيئاً، والفرمانات العثمانية لا ولم تعنِ شيئاً بالنسبة للكويت والعراق، فالعراق كان مستعمرة عثمانية، أما الكويت فكانت تتمتع باستقلالية حكم داخلي رغم اتفاقية الحماية البريطانية، وللدلالة على ذلك هناك كثير من الشخصيات العراقية المعارضة لجأوا إليها هرباً من العثمانيين.

العراق لم يكن يوماً دولة بحرية، الكويت هي الدولة البحرية، وهي التي أنشأت أسطولها الهائل من السفن التجارية وسفن الغوص، الأسطول الذي جاب البحار ووصل إلى الهند والسواحل الإفريقية، الكويت هي التي أنشأت بنيتها البحرية لا العراق، فإذا كانت الكويت جزءاً من العراق فأين هي موانئه؟ وأين آثارها؟ ليس هناك إلا آثار إغريقية، ليس هناك أي آثار عراقية ولا عثمانية ولا حتى عباسية. هناك موقعة ذات السلاسل في منطقة كاظمة الكويتية، وهي معركة بحرية دارت بين عرب الجزيرة والفرس، عندما كان العراق تحت الاحتلال الفارسي، كما هو الآن.

هناك حقائق مؤلمة لا بد للعراقيين أن يتذكروها والعرب أن يعلموا بها، فقد كان الكويتيون يواجهون شظف العيش ويكافحون من أجل رشفة ماء وإلى جانبهم العراق الغني بخيراته ومياهه، العراق لم يساعد الكويت يوماً، لا غذائياً ولا مائياً، ولا بأي شيء، كانت مياه شط العرب تُهدر في الخليج العربي، والعراقيون يمنعون الكويتيين من شربها، وفي أحسن الأحوال يبيعونها لهم، لم يعرفوا الكويت إلا بعد أن أفاء الله عليها برزقه، فأي تبعية يتحدثون عنها؟

يجب على كل عراقي لا يزال في قلبه مرض أن يتخلص من هذه العقدة البغيضة التي تسببت في دمار العراق، وبثت روح الشقاق بين العرب، وجعلتهم لقمة سائغة في يد الأعداء.