يُشكّل الكرد جانباً مهماً من الفسيفساء اللبنانية، بلد التعددية والتنوع السكاني والثقافي! ويقول د. الصويركي إن الأكراد نزلوا على جبل لبنان منذ أمد طويل، «ويشكلون اليوم شريحة كبيرة داخل المجتمع اللبناني الحديث». ويضيف أن من الأسر الكردية اللبنانية العريقة: المعنيون، آل العماد، الجنبلاطيون، آل المرعبي، آل عبود، آل الفضل والصعبيون.

ويقول: «غالبية هذه الأسر إقطاعية وصاحبة نفوذ هاجرت إلى لبنان في فترات زمنية مختلفة مع الأيوبيين والمماليك لتوطيد حكمهم في لبنان».

Ad

(تاريخ الأكراد في بلاد الشام ومصر، د. محمد الصويركي، عمان - الأردن، 2010، ص 149).

ويضيف أن الدولة العثمانية كانت تعتمد بالدرجة الأولى على الأمراء الأكراد وتعيّنهم في المناصب الإدارية، كولاة ومتصرفين وقادة جيش وشرطة في الولايات العربية، «ولكن هذه الشخصيات لم تلبث أن قویت واستقرت في أماكن وجودها وكثُر عددها، وتكيفت مع البيئة الجديدة، واعتنقت المذاهب والأديان السائدة فيها: (ص 149). وتربط عائلة جنبلاط بين الكرد والدرزية كمذاهب دين أو يسمون بـ «موحدين».

وقد برزت الأسر خلال القرن الثامن عشر، واستمر نفوذها السياسي إلى الوقت الحاضر. ويقول أحد المراجع عن الزعيم اللبناني الراحل كمال جنبلاط (1917 - 1977) إنه «سياسي لبناني من أسرة درزية عريقة قدمت إلى لبنان عام 1630 بدعوة من الأمير فخر الدين المعني الثاني، تنتمى الأسرة إلى «جانبولاد» الكردي الذي حكم «كلس» قرب حلب في سورية.

ويقول د. الصويركي إن الأسر الكردية كانت على مذاهب مختلفة في لبنان «فكان الأيوبيون وآل سيفا وآل مرعب سُنّة، وبنو حمية شيعة مع «المتاولة» في جنوبي لبنان، وآل جنبلاط والمعنيون وآل العماد دروزاً، وبعضهم اعتنق المسيحية (ص 150). ويضيف الباحث أن هؤلاء الأكراء لا صلة لهم بأكراد لبنان الحاليين. «فمنذ القرن الثامن عشر انصهروا تدريجياً في المجتمع اللبناني، وضعُف ارتباطهم بكرديتهم وأصولهم في كردستان، وأصبحوا أكثر ارتباطاً بمصالحهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية في لبنان، وتمثّل أسرة المعنيين (1516 - 1697) تداخل وتعقُّد الأصول والجذور في هذه المرحلة».

ويقول د. صويرکي:

«المعنيون هم من سلالة معن بن ربيعة الأيوبي الكردي، كان أجدادهم يعيشون في بلاد فارس، ثم انتقلوا إلى الجزيرة الفراتية، ومنها انتقل جدهم معن بن ربيعة الأيوبي الكردي إلى جبل لبنان في القرن السادس عشر الميلادي (ص 151).

وكانت والدة السيد كمال جنبلاط معروفة في مجال السياسة، وهي السيدة نظيرة جنبلاط، عقيلة فؤاد جنبلاط - التي ترمّلت سنة 1922 وخلفت زوجها على مسرح السياسة اللبنانية، وكان لها دور فاعل حتى وفاتها سنة 1951، وخلفها الأستاذ كمال جنبلاط الذي كان له حضوره السياسي المعروف بزعامة الدروز والحزب التقدمي الاشتراكي قبل اغتياله عام 1977.

«وجانبلاط» كلمة كردية مُحرّفة من جان بولارد، وتعني الروح الفولاذية (ص 158).

ومن الأسر الكردية البارزة آل سيفا، حكام طرابلس الشام في لبنان، حيث تولوا الحكم هناك لفترة طويلة، ولا تزال في طرابلس أوقاف كثيرة باسمهم.

وقد أدت الأسرة دوراً رئيسيا في حياة لبنان السياسية خلال العهد العثماني، وكانت لهم صراعات وصدامات مع المعنيين في جبل لبنان، ومن المعروف أنهم أمراء أكراد، وهو ما يؤكده كذلك المؤرخ فيليب حتى.

ومن الأسر الكردية الأصل في طربلس، آل الشهال، وآل خضر آغا، ومنهم الصعبيون في الجنوب مثل قرى النبطية والمروانية وكفر رمان، ومنهم عائلة نصرالله وآل حمية.

وللأكراد الحاليين في لبنان مشاكل كثيرة، سنتحدث عنها في مقال قادم!