روى البخاري أن اليهود جاؤوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكروا له أن رجلاً منهم وامرأة زنيا، فقال لهم: ما تجدون في التوراة في شأن الرجم؟ فقالوا: نفضحهم ويُجلدون، فقال عبدالله بن سلام (وكان يهودياً وأسلم): كذبتم، إن فيها الرجم، فأتوا بالتوراة فانشروها، فوضع أحدهم يده على آية الرجم، فقرأ ما قبلها وما بعدها، فقال له عبدالله بن سلام: ارفع يدك، فرفعها فإذا بها آية الرجم.
قال تعالى عنهم «وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ».
مثل هذا التحريف ينال في هذه الأيام بعض المسؤولين أو السياسيين أو المشاهير رغبة في تشويههم أو قتلهم معنوياً، خصوصاً مع انتشار وسائل التواصل، ولطالما نالني قسط من هذا التشويه، فقالوا إني طالبت بالضرائب مع أني أنا الذي قدمت القانون 79 لسنة 95 بشأن وقف الرسوم على المواطنين.
وقالوا إني منعت زواج البدون عندما كنت وزيراً للعدل، مع أن تحديد الجنسية التي توضع في عقد الزواج هو اختصاص اللجنة التنفيذية التي أصبحت بعد ذلك الجهاز المركزي، وليس من اختصاص «العدل»، فقمت بنشر جداول بمئات الزيجات التي تمت أثناء وزارتي، والتي أفادت اللجنة التنفيذية بأنهم «بدون»، فتم عقد زواجهم بهذه الصفة. وبالنسبة للمواطن فقد سارعت إلى تقديم قوانين إجازة الأمومة والزكاة وحماية المرأة من الاستغلال، واستفاد منها عشرات الآلاف من الأسر، وقمت بزيادة مواد التموين وتحسين جودتها، وشاركت في أهم القوانين الإسلامية وقوانين المال العام، وألّفتُ كتاباً حول المادة الثانية، ووفقني الله في جلب أحد المتهمين، والملايين من الأموال العامة التي تم الاعتداء عليها، إضافة إلى قانون العلاوة الاجتماعية وعلاوة الأولاد للعاملين في القطاع الخاص، وقانون الضمان الصحي للوافدين الذي ينص على مشاركة الوافدين في كلفة العلاج الصحي، ووقفت ضد التطرف والإرهاب والمظاهرات غير المشروعة التي كادت تعصف بالبلاد، وكتبت عدة مرات عن تحريم الخروج على النظام العام، وغير ذلك الكثير، ورغم كل ذلك، فإن التحريف والتحريض ونشر الأكاذيب مازال مستمراً.
وحتى مقالاتي في «الجريدة» التي أنشرها بوستات (تويتر) مُرتّبة ومرقمة كما نُشرت في المقال لم تسلم من تحريفها وفصلها عن سياقها، كما فعل اليهود تماماً، مما يؤكد أن هناك من يقوم بتشويه عملي وعمل بعض المخلصين وطمس إنجازاتهم، ولذلك فإن هؤلاء المحرّفين هم مثل اليهود الذين ورد ذكرهم في تلك الآية وذلك الحديث، ويجب كشفهم والحذر منهم، وإذا نشر أحدهم أي معلومة أو خبر عن أيٍّ كان ويحمل إساءة أو تحريفاً أو تشويهاً، فإن على الإنسان الفطن أن يرجع بنفسه إلى مصدر الخبر بتفاصيله ويتأكد منه قبل أن يصدقه وينشره.
قال تعالى «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ».
وفاة مطلق القراوي
رحم الله الأخ الفاضل مطلق القراوي الذي كان يشغل منصب الوكيل المساعد أثناء وزارتي للأوقاف. وكان الراحل بحق مثال الأخلاق والكفاءة والإخلاص والوطنية، وأنا أذكر له مواقف عديدة كان فيها مثالاً للتدين وحب الوطن والعمل له... فنسأله تعالى أن يرحمه ويسكنه الفردوس الأعلى.