في مطلع الألفية الجديدة، وكحلٍ بديل في ظل تضخم المؤسسات الحكومية وتشبُّعها «من الموظفين»، وكمحاولةٍ جديَّة لإعادة هيكلة سوق العمل وتشجيع الشباب على العمل الحُر وريادة الأعمال، وبعيداً كُل البُعد عن الوظائف الحكومية الروتينية، بدأ مصطلح «المشاريع الصغيرة» في الكويت بالظهور على ساحة التجارة والأعمال منذ فترة ليست بالقصيرة. وقد شكَّلت هذه الفكرة نقلة استراتيجية جديدة من الدولة، عبر تقديم تسهيلات مالية وقانونية ومكانية للشباب، بهدف وضعهم على خريطة الاقتصاد المحلي، ودعم ثقافة الإنتاج الحُر.

لكن ومع مرور الوقت، تحوَّلت الكثير من المشاريع من فكرةٍ جديدة إلى معضلة تجارية. فالكثير من أصحاب المشاريع الصغيرة باتوا يتعاملون مع المستهلك على أنه مُلزم بالدعم، لا كمستفيد من خدمة أو منتج يستحق قيمته.

Ad

واللافت أن الأسعار في هذه المشاريع تفوق– أحياناً بأضعاف– ما يُقدَّم في المحال العالمية أو الكافيهات الشهيرة ذات الجودة والخدمة العالية، رغم أن الأخيرة لا تحصل على الدعم الحكومي ذاته، بل تدفع رواتب وإيجارات ورسوم استيراد وغيرها.

المفارقة «يطلع لنا مشروع صغير، بفاتورة كبيرة!». منتجات بسيطة أو خدمات عادية، تُسعَّر بلا منطق، وتُبرَّر بأنها «مشروع صغير يحتاج يربح ليغطي تكاليفه الشهرية». لكن هل الدعم يكون على حساب جيب المستهلك؟ وهل يُفترض أن يتحمَّل المستهلك سوء الإدارة، أو قلة الخبرة، أو الطمع أحياناً؟

إن المشاريع الصغيرة التي لا تضع الجودة والتسعير المدروس في الحسبان، ولا تتنافس فعلياً، تتحوَّل من مشروعٍ واعد إلى عبء -مزدوج - على الدولة والمستهلك. فنجاح المشروع لا يُقاس فقط بامتلاك محلٍ أو حساب على «إنستغرام» وتسعيرة «من واقع الخيال»، بل بالقدرة على كسب ثقة الزبون، وخلق وعي مجتمعي «منطقي» لدعم المشروع دون استعطاف، مع دراسة السعر بشكلٍ تنافسي للمنتج أو الخدمة، «فالقليل المتصل أفضل من الكثير المنقطع»، والدعم الحقيقي يكمن في منتجٍ جيد، أو خدمةٍ جيدة بسعرٍ معقول، لا في المبالغة بفرض «المشروع الصغير» على الدولة والمستهلك.

نحن ندعم المنتج الوطني والمشروع الوطني، لكن المبالغة لا ندعمها تحت أي شعار أو مشروع. أعيدوا حساباتكم، وفكِّروا جيداً، وادرسوا الموضوع قبل أي شيء، فلا يمكن أن تُصبح «مليونيراً» في شهر. تعلَّموا التجارة من المشاريع الكبيرة، ثم أعيدوا بناء أفكاركم مع ما يتناسب مع متطلبات جيلكم.

بالقلم الأحمر:

ندعم المشاريع الصغيرة عندما تفكِّر بشكلٍ كبير، لا لتُسعّر بشكلٍ كبير.