كانت للكرد علاقة تاريخية ممتدة بفلسطين في القرون الوسطى، وكذلك مع توالي أحداث الصراع الإسلامي - الإفرنجي في بلاد الشام ومصر أيام الدولة التي أسسها نور الدين زنكي، وبالدولة الأيوبية التي أسسها القائد الكردي الكبير صلاح الدين الأيوبي.
ويقول د. محمد الصويركي إن صلاح الدين الأيوبي شجع الكثير من الأمراء الأكراد، عبر إعطائهم إقطاعات في مدن فلسطين من أجل الدفاع عنها أمام الغزوات الإفرنجية القادمة.
وقد سكن الجنود الكرد في المدن الفلسطينية، ومع مرور الأيام شكلوا في هذه المدن أحياء خاصة بهم، نسبت إليهم باسم «محلات الأكراد» في كل من القدس والخليل وعكا ونابلس وغزة وصفد. (تاريخ الأكراد في بلاد الشام ومصر، د. محمد الصويركي، عمان - الأردن، 2010، ص 135)
لم تجرِ عملية الاندماج بين العرب والكرد في فلسطين دائماً بسلاسة!
ففي مدينة الخليل الفلسطينية، ومع تزايد الكرد، أخذوا ينافسون السكان على زعامة المدينة. يقول الباحث د. الصويركي: «فصار بها حلفان، الحلف الأيوبي الكردي والحلف العربي التميمي، ودخل الحلفان في صدامات وصراعات عشائرية انتهت بهما إلى «مذبحة السلطان قايتباي» المملوكي سنة 1473م.
كانت هذه المذبحة فاحشة نتج عنها تفرق الحلفين إلى جهات مختلفة من فلسطين - نابلس، والقدس، وخان يونس، وانتهت الأمور بتدخل السلطان المملوكي، مما تسبب في إضعاف شوكة الأيوبيين في الخليل.
أما مدينة نابلس فقد منحها السلطان الأيوبي لابن أخته حسام الدين لاجين، «بعد أن أخرج حسام الدين منها الفرنجة، وأصبحت إقطاعات خاصة به، وبعد وفاته انتقلت إلى الأمراء الأكراد. وفي العهد المملوكي شكل أكراد نابلس أكثرية الجيش، واستمر مجيء العلماء ورجال الدين إلى مدن فلسطين». (ص 136)
ومن مشاهير الكرد في مدينة القدس من العلماء أحمد محمد الكردي البسطامي، شيخ الطريقة البسطامية الصوفية بها، والذي عمل في التدريس بالمدرسة الصلاحية حتى توفي عام 1400م، والشيخ يوسف الكردي، والشيخ جبريل الكردي، والشيخ نجم الدين داود، ودرباس الهكاري.
وقد استمر نزول الأكراد إلى القدس وجوارها خلال العهد العثماني بعد أدائهم فريضة الحج، وأقاموا في زاوية خاصة بهم وهي حي الأزبكية، وعمل بعضهم في الجيش وقوات الأمن. كما هاجر إلى الريف الفلسطيني البعض من «حي الأكراد» بدمشق ومن منطقة الجزيرة شمالي سورية وديار بكر، للعمل والتجارة أو الجندية.
ومن أبرز العائلات الكردية في فلسطين: الأيوبيون، الذين كانوا يشكلون نحو نصف أو ثلث السكان بعد حرب 1967، حيث هاجروا بعد ذلك إلى مدن أخرى ودول. ومن أكثر العائلات الكردية عدداً: آل زعرور، والملا، والسيف، والبرقاوي، نسبة إلى بلدة برقة بجوار نابلس.
هل يعتبر الكرد في فلسطين أنفسهم أكراداً حتى الآن؟
يقول د. الصويركي: «يُلاحظ أن أغلبية أكراد فلسطين قد استعربوا مع الزمن، وانقطعت جذورهم بأصولهم الكردية... ولهذا فإن غالبية أكراد فلسطين ليس لديهم شعور قومي كأكراد، يُضاف إلى ما سبق ما تركته النكبات الفلسطينية في نفوسهم من ويلات، فجُرّدوا من أملاكهم وشُرّدوا في بقاع الأرض. ويمكن استثناء بعض أكراد فلسطين الذين ما زالوا يحتفظون بمشاعرهم القومية، ويعتزون بكرديتهم... وقد دفع هذا الشعور بعضهم إلى الدخول كأعضاء في جمعية صلاح الدين الأيوبي، الخاصة بأكراد الأردن».