عَمورة وعمورية... قريتان متقاربتان واسمان مختلفان تاريخاً، فـ «عَمُورة»، هي واحدة من خمس قرى سكنها قوم لوط، وهي سَدُوم وعَمُورة وأدومة وصبييم وزوار.

سَدُوم وعَمُورة هما القريتان الأشهر اللتان ورد ذكرهما في الأديان السماوية الثلاثة، والتي اتفقت كلها على أنّ الله سبحانه خسف بهما لاقتراف أقوامهما مفاسد في الأرض. سَدُوم وعَمُورة، سكنهما قوم نبي الله لوط، وذُكرت قصتهما في القرآن الكريم، لما فيها من عِظات وعِبَر لمَن يتمادى في فساده، فقد كان أقوام هاتين القريتين يرتكبون الفاحشة، وكانوا يأتون الرجال شهوة من دون النساء، كما كانوا يقطعون الطرق، ويرتكبون الظلم والمفاسد.

Ad

بعث الله تعالى نبيه لوطاً إلى قومه ليدعوهم إلى طاعته، وترك المنكر، ويحذّرهم من عواقب ما يرتكبون، وقال لهم كما ورد في القرآن الكريم: «أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ، إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ»، ولكنهم أنكروا رسالته، وتمادوا في غيّهم، وقالوا له: «أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ». عندها حقَّ على قوم لوط الهلاك، فعند شروق الشمس نزل عليهم العذاب الذي وُصف في القرآن الكريم بأنه كان عذاباً شديداً ومدمراً: «فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا، وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ، مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ، وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ».

هلك قوم سَدُوم وعَمُورة، ومعهم زوجة لوط، ولم ينجُ منهم سوى لوط وابنتيه، «فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ، إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ».

أصبحت هاتان القريتان الآثمتان أثراً بعد عين، ولم يُسمع عنهما بعدُ إلّا في النصوص الدينية، وأصبحت سَدُوم وعَمُورة عنواناً للإثم والفساد.

أما عمورية، فهي مدينة تاريخية تقع في منطقة الأناضول التركية حالياً، وقد اكتسبت شهرتها عند العرب لوقوع معركة شهيرة فيها عام 838م بين الدولة العباسية بقيادة الخليفة المعتصم بالله والإمبراطورية البيزنطية، فسمّيت بـ «معركة عمّورية».

هذه المعركة كانت حدثاً فاصلاً في تاريخ الصراع العربي ـــ البيزنطي، ففيها تمكّن العرب من فتح عمورية بعد حصار شديد، كانت تلك المعركة رداً على هجمات البيزنطيين على الأراضي الإسلامية، وسبيهم لنسائها، وفزعة لصرخة «وامعتصماه» المشهورة لامرأة مسلمة لطمها جندي روماني.

كانت معركة عمورية استجابة المعتصم لندائها، قائلاً لها: لبيكِ يا أختاه، ولم تكن نتيجة تلك المعركة نصراً عسكرياً فقط، بل كانت نصراً معنوياً لجميع رعايا الدولة العباسية، فقد أثبتت قوتها وقدرتها على حماية رعاياها والرد بحزم على مَن يتطاول عليهم، وهناك قصيدة شهيرة لأبي تمام تشهد على ذلك، يقول في أحد أبياتها:

السيف أصدق أنباء من الكتب

في حده الحدُّ بين الجد واللعب

عَمُورة وعمورية... قريتان لا يزال تاريخهما عالقاً في أذهاننا، أما عَمُورة فاختفت من على وجه الأرض بسبب فساد قومها، وأما عمورية فلا يزال اسمها وتاريخها وذكرياتها العطرة تتداول عند العرب تحديداً، منتظرين «معتصماً آخر» يفزع لهم، بعد أن تكالبت عليهم الأمم وحثالات البشر، لتفرُّقهم لا لقِلَّتهم.