صدر حديثاً، عن مطبعة الخط، والمعروض في مكتبة العجيري راكان حالياً، كتاب يهتم بالإصلاح الاقتصادي في اقتصاد ريعي مع إشارة إلى حالة الاقتصاد الكويتي، في 280 صفحة، لمؤلفه الدكتور أحمد الكواز. وتضمن الكتاب، في فصوله التسعة، التعريف بمفهوم الريع تاريخياً، وحتى الآن، وبعدما اتسع المفهوم ليشمل الهبات من الموارد الطبيعية، بدلا من ارتباطه في البداية بالأرض. وما ترتب على التطبيقات العملية للريع من نتائج تم تصنيفها في خانة «النعمة Blessing»، مثل حالات النرويج، وبتسوانا، وغيرهما، أو في خانة «النقمة Curse» كما هو الحال في فنزويلا ونيجيريا وعدد من البلدان العربية.

وارتبط الريع بخلق ظاهرة «المرض الهولندي Dutch Disease»، منذ اكتشاف الغاز الطبيعي في هولندا عام 1957، وسريان أعراض هذا المرض الاقتصادي وخصائصه في العديد من البلدان المعتمدة على الموارد الطبيعية، وضمنها أغلب البلدان العربية المننتجة للنفط. وما زالت ظاهرة البحث عن الريع، والباحثين عنه، تمثل أحد أخطر القيود على عمل برامج الإصلاح الاقتصادي في الدول المعنية، لما تركه هذا الريع، وما زال، من آثار خطيرة وغير صحية على القرارات، وتنفيذها، الهادفة للإصلاح الاقتصادي.

وعرض الكتاب، لاحقا، الخبرات التاريخية للدول المتقدمة حاليا، النامية سابقا، والدول النامية الناشئة حاليا، في مجال دور الدولة التنموي والقطاعين الخاص والحكومي، مشيرا الى انه إذا كانت هذه الدول بالفعل قد حيّدت الدور الحكومي في الإدارة الاقتصادية وما ارتبط بها من إصلاحات، أم أن الأمر مختلف وعكس ما يتداوله العديد من الاقتصاديين حاليا.

Ad

واهتم الكتاب، فيما بعد، بتحديد آثار الريع على خصائص الاقتصاد الكويتي، في مجالات الناتج المحلي الإجمالي، وأسواق العمل المجزأة، وحسابات ميزان المدفوعات، والموازنة العامة للدولة، وبالاعتماد على أحدث الإحصاءات المتاحة من الجهات الرسمية.

وأفرد اهتماما خاصا بتقييم الخطط الاقتصادية بالدولة ودورها في المساهمة في الحدّ من الاختلالات الاقتصادية، وذلك من خلال الإشارة الى المحتويات المعيارية Normative الواجب توافرها بالخطط، ومقارنة هذه المحتويات بما هو متضمن في الخطة الخمسية 2020 – 2025، وتحديد الفجوات بين النوعين من المحتويات واقتراح البديل.

ثم خصّص الكتاب اهتماما بالمالية العامة والسياسة المالية بالدولة، من خلال منهج تحليلي قائم على استخدام عدد من المتغيرات الخاصة بأنواع الأرصدة للموازنة العامة للدولة، مثل الأرصدة غير النفطية والهيكلية والمرتبطة بالدورة الاقتصادية، وقياس مدى استدامة الموازنة، مع تحديد عدد من الاعتبارات الواجب أخذها في الاعتبار عند إعداد الموازنة للحدّ من سيطرة الاعتبارات المحاسبية، والمزيد من دمج الاعتبارات الاقتصادية الكلية، وذلك من خلال تفعيل الدور العملي لوحدة الاقتصاد الكلي والسياسة المالية بوزارة المالية، بهدف أخذ الترابطات الاقتصادية بين مختلف الوحدات الاقتصادية، خارج وزارة المالية، عند إعداد الموازنة من خلال إعدادها متوسطة الأجل (بالمعنى الاقتصادي وليس المحاسبي).

وكمثال، للترابط بين السياسة المالية، معبراً عنا بالموازنة، وبقية الوحدات الاقتصادية، اهتم الكتاب، من خلال نموذج مبسّط، بعرض مسهب للعلاقة بين السياسة المالية والسياسة الصناعية (سواء على شكل إحلال واردات وتشجيع صادرات أو كليهما)، وتأثير ذلك المحتمل على تخفيف العبء على الباب الأول بالموازنة، وتعويضات العاملين، وزيادة الإيرادات الضريبية، والمزيد من الصادرات غير النفطية. على أن يتم ذلك من خلال إطار اقتصادي كلي، يهدف ضمن العديد من الأهداف، الى محاربة التركز الصناعي، وشكل من أشكال احتكار القلة Oligopoly، والمزيد من النفاذ للأسواق الصناعية ومحاربة الممارسات الاحتكارية.

وخصص الكتاب حيزا مهما للشروط المسبقة لأي برنامج إصلاح اقتصادي، خصوصا في حالة البلدان الريعية. وعلى رأس هذه الشروط دور الدولة القوية Hard State، والتخلص من الدور الرخو للدولة Soft State، وبالمعنى الاقتصادي الذي أشار له الاقتصادي السويدي الراحل ميردال Myrdal. أي أهمية وجود الدولة التنموية Developmental State، كما كان، ولا يزال، سائدا في التجارب الحديثة مثل تجربة كوريا الجنوبية وسنغافورة (التي عرض الكتاب تجاربها في مجال المؤسسات التي قادت النهضة الاقتصادية)، وغيرها. بالإضافة الى إهمية الإصلاح المؤسسي وما يرتبط به من إصلاح إداري قائم على معيار واحد: الكفاءة لاغير.

وأخيرا، تضمن الكتاب، مقترحين فنيين، كل منهما في فصل مستقل، يغطي الأول السياسة الصناعية (بعد مسح أهم التشريعات المرتبطة بالصناعة) من خلال تحديد كمّي لمصادر النمو الصناعي بالدولة، طلب محلي، وإحلال واردات، وتشجيع صادرات، والأهمية بالنسبة لكل مصدر في تحديد معدلات نمو تسع أنشطة صناعية خلال السنوات العشر السابقة. وذلك لإبراز إهمية العلاقة بين السياسة المالية والصناعية المشار اليها أعلاه.

أما المقترح الفني الثاني فقد اعتمد على قواعد بيانات جداول التشابك الصناعي Input – Output Tables لعام 2021، لكل من دولة الكويت ومملكة النرويج، ومن خلال محاكاة Simulation الهيكل الكلي، وبعض القطاعات، للاقتصاد النرويجي (المعتمدة نسبيا على مورد النفط الطبيعي) معبرا عنه بمصفوفة التشابك بين مختلف القطاعات الاقتصادية (39 قطاعا) في الجدول المناظر لدولة الكويت ولنفس السنة، 2021، بعد تحديث آخر جدول متاح بالكويت ليعبر عن سنة 2021.

وأوضحت النتائج، ضمن عدد كبير من النتائج الكمّية الأخرى، أن محاكاة هيكل الاقتصاد الكويتي لنظيره النرويجي بالكامل يمكن أن يرفع معدل نمو الإنتاج (الطلب الوسيط + الطلب النهائي) بحوالي 18%. وأن من شأن محاكاة هيكل نشاط تكرير المنتجات النفطية والبروكيمياوية النرويجي، في الهيكل المناظر الكويتي، أن يرفع معدل نمو هذا النشاط بنحو 4.7%، وهكذا لعدد آخر من القطاعات.

معنى ذلك أن التنويع من خلال الاستفادة من هياكل إنتاج بلد آخر يعتمد على مورد نفطي نسبيا، له آثار واضحة على نمو الإنتاج، بسبب تشابك أكبر بين القطاعات المختلفة وعوامل أخرى، لا تتوفر حالياً في حالة الهيكل الإنتاجي الكويتي.