أثار إعلان شركة الخطوط الجوية الكويتية، الأسبوع الجاري، بياناتها المالية عن الربع الثاني من العام الحالي تساؤلات عديدة حول كفاءة أداء الناقل الوطني ومدى جدية إدارة الشركة، فضلاً عن الجهات الحكومية المسؤولة عنها ليس فقط في إصلاح أوضاعها المتدهورة، بل في فهم أهمية تحديد فلسفة واضحة تحدد غرض الدولة من وجود شركة طيران وطنية هي الأقدم إقليمياً منذ أن أُسست عام 1954.

فـ «الكويتية» أعلنت عن بيانات مالية وصفتها بـ «الإيجابية» للربع الثاني من العام الحالي، بتحقيقها إيرادات تشغيلية بقيمة 324 مليون دولار بنمو 6 بالمئة ومبيعات إجمالية في الربع الثاني بقيمة 285 مليوناً، بارتفاع 14 بالمئة، وخفّضت الشركة التكاليف التشغيلية في الربع الثاني بنحو 19.4 مليوناً، بتراجع 20 بالمئة.

Ad

وأول ملاحظة على هذه البيانات أنها عرضت إيرادات التشغيل وليس صافي الربح أو الخسارة، وعلى الأرجح، فإن الشركة هنا مستمرة في تكبّد الخسارة، رغم تعهّدها عام 2023 ببلوغ نقطة التعادل بين الإيرادات والمصروفات بحلول العام الحالي 2025.

ربع مماثل

أما الملاحظة الأخرى على البيانات المالية في سياق المقارنة الفصلية التي تكون منطقية بمقارنة أي ربع سنوي بالربع المماثل من العام الماضي، كما تفعل كل شركات وبنوك الكويت والعالم، وليس مقارنة الربع الثاني ببيانات الربع الأول الذي لم تعلنه «الكويتية» أصلاً، بل إن المقارنة مع الربع المماثل تكون أكثر وجوباً لدى شركات الطيران، لكون السفر والحجوزات مرتبطة بمواسم وعطلات وأشهُر مماثلة، والقياس فيها يكون أدق وأوضح وأصدق.

كذلك من المهم ملاحظة أن البيانات المالية التي أعلنتها «الكويتية» عن الربع الثاني من العام الحالي هي أول بيانات مالية تصدر منذ نهاية عام 2023، حيث صدرت البيانات السنوية وقتها أيضاً بإعلان الإيرادات التي بلغت 335 مليون دينار (نحو مليار دولار)، أي إن «الكويتية» امتنعت على مدى 5 فترات فصلية، (أي 15 شهراً)، عن نشر بياناتها الفصلية أو السنوية، ودائماً تمتنع عن بيان الأرباح أو الخسائر.

الأزمة الحقيقية

ولعله من المهم توضيح أن أزمة الخطوط الكويتية أعمق من مسألة ضعف جودة بياناتها المالية أو شفافيتها أو محدودية عدد طائراتها أو وجهاتها، أو انخفاض حصتها السوقية إقليمياً، أو حتى قدرتها على التحول من الخسارة إلى الربح، فالأزمة الحقيقية في أن الإدارة العامة، أي مجلس الوزراء وما يرتبط بها من جهات ذات علاقة بالخطوط الكويتية، كالإدارة العامة للطيران المدني، والهيئة العامة للاستثمار، ليست قادرة على اتخاذ قرار بتحديد الغرض من «الخطوط الكويتية»، فباتت في طريق خاطئ دون أن تختار لها طريقاً من طريقين صحيحين.

ربحية أم سيادية؟!

والطريقان الصحيحان هما كالآتي، الأول أن تكون «الكويتية» شركة تهدف إلى الربحية بمشغّل محترف، غالباً عالمي، وفق معايير الخبرة والجودة في الإدارة والتشغيل ضمن صيغة تنظيم ورقابة وبيئة منافسة حقيقية، يتم خلالها التعامل مع الحكومة وجهاتها ومسؤوليها كزبائن، من دون امتيازات أو خصومات، مع تحرير إصدار رخص الطيران وخدماتها المساندة من شحن ومناولة خدمات أرضية وغيرها لأي مستثمر دون احتكار، أو الخيار الثاني أن تكون «الكويتية» كياناً سيادياً، أي أن تكون ذراعاً ضمن مشروع دولة عريض لتسويق الكويت واسمها ومشاريعها وتنمية خطوط الترانزيت، في سبيل الانفتاح التجاري والاقتصادي على العالم، وجذب المستثمرين وفتح المحطات والوجهات بشكل واسع، ولا تستهدف بالضرورة تحقيق الربحية، بل على الأغلب ستكون مدعومة وممولة من الدولة.

السيئ هنا أن «الخطوط الكويتية» لا تزال تستثمر في طريقها الخاطئ، إذ أعلنت في نهاية عام 2023 أنها نفذت ما اعتبرته «أكبر عملية هيكلة في تاريخها» باستثمار 3 مليارات دولار لإعادة بناء أسطول طائراتها، مع أن الهيكلة الحقيقية هي بإعادة تعريف الغرض من الشركة والاستفادة الاقتصادية من وجودها.

وقد تبيّن هذا السوء خلال الأشهر الماضية، عندما تنازلت «الكويتية» - من خلال اتفاقية «إنترلاين» - عن حصتها السوقية ومسافة السفر الأطول لمصلحة منافس إقليمي هو «طيران الإماراتية».

الشركات الحكومية

ولعله من المفيد القول إن نجاح أي شركة، خصوصاً إذا كانت حكومية، مرتبط بتحديد فلسفة وجودها، فمثلاً نجاح شركة حكومية كـ «مطاحن الدقيق»، أو «الكويتية للتموين» ليس مرتبطاً بالأرباح المالية، بل بمدى تحقيق الغرض من تأسيسهما، وهو الأمن الغذائي مقابل تعثّر لشركات حكومية أخرى، كالخطوط الكويتية، أو «المشروعات السياحية»، أو «النقل العام»، فضلاً عن قصور أداء شركة حكومية أخرى كـ «الوطنية لمشاريع التكنولوجيا»، أو انتهى دورها الفعلي، نتيجة تأسيس جهاز حكومي مشابه لاختصاصات الشركة، كوجود الشركة الكويتية لتطوير المشروعات الصغيرة، التي يفترض أن تأسيس الصندوق الوطني للمشروعات الصغيرة والمتوسطة قد أنهى الغرض من وجودها، أو شركات حكومية لم تكن لها فاعلية واضحة تواكب الغرض من تشغيلها، كشركتَي العناية الكويتية لإدارة المستشفيات، والمجموعة الثلاثية العالمية للاستشارات!

واللافت هنا أن الشركات الحكومية مهما حصلت على الدعم من الدولة من حيث الأصول أو الرخص أو الأراضي أو الامتيازات، فإنها لن تفلح إن لم تحدد - بشكل واضح - هويتها أو فلسفة وجودها.

أفكار متعددة منذ 1993

منذ عام 1993، بدأت الحكومة في طرح أفكار متعددة لإصلاح أوضاع الخطوط الجوية الكويتية، تارة بخصخصتها وتارة بتشغيلها مباشرة، وأخرى بطرحها بنظام الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وثانية بتفكيكها إلى شركات تابعة، لتكون «الكويتية» شركة قابضة، فضلاً عن مناقشة حصول الحكومة على ما يُعرف بالسهم الذهبي المقارب لـ «فيتو»، وغيرها من الأفكار غير الجوهرية، وتخلل هذه الفترة إجراءات كتغيير قانونها لتتحول من مؤسسة إلى شركة، إلى جانب الاستغناء عن شريحة كبيرة من طاقمها عبر مزايا التقاعد، فضلاً عن شراء أسطول جديد للطائرات بعد استهلاك الأسطول القديم.

لكن كل هذه الخطوات، على مدى «جيل» كامل، لم تنعكس على تحديد طريق صحيح لإصلاح شركة طيران، بل تدهور الأمر، لدرجة أن حتى مسألة البيانات المالية أصبحت ليست فقط ناقصة، بل مناقضة لأبسط قواعد المقارنة والقياس... فكيف يمكن ذلك في ظل عقلية الإدارة العامة نفسها، عندما يتعلق الأمر بإصلاح اقتصادي أو مالي شامل؟

إن الحديث عن «الكويتية» كنموذج إخفاق للإدارة العامة وما يتبعها من جهات فنية ليس هجوماً على الناقل الوطني، ولا حملة لخفض جاذبيتها، بل دعوة لصناعة نموذج ولو صغير للإنجاز في قطاع سهل غير معقّد يضع الناقل الوطني العريق على الطريق الصحيح، تمهيداً لاتخاذ خطوات أكبر في قطاعات أكثر تعقيداً.