عندما أتأمل ما يجري في سورية والعراق وعواصم عربية أخرى من فوضى وتمزق وقتل وحاجة وفقر ومطالبة الأقليات بالانفصال، أتساءل: أما كان بإمكان الأنظمة الحاكمة هناك قبل سقوطها أن تقيم نظاماً برلمانياً أو تمثيلياً تشارك فيه المعارضة والأقليات، ويعمل فيه الجميع على حفظ وحدة الوطن والتصدي للمؤامرات الخارجية والداخلية وتحقيق الاستقرار والتنمية والعيش الكريم، ويحتفظ فيه الحكام بكراسيهم بدلاً من حالهم اليوم، حيث البلاد مقسمة والرؤساء السابقون مقتولون أو مطرودون؟

ما ضر صدام لو أنه تحلى بالعدل والحكمة، وأشرك المعارضة الوطنية في الحكم، وما ضر بشار لو أنه أشرك المطالبين بحريّة الرأي في البرلمان، ولكن طغى عليهم حب الانفراد بالرأي والحكم كما قال الله تعالى «قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ».

Ad

خلال السنوات القليلة الماضية استغل المفكرون الصهاينة ومن عاونهم هذا الظلم وانفراد الدكتاتوريات بالحكم فقاموا بتثوير الأقليات والاثنيات، ووعدوهم بالحرية وحقوق الإنسان، وقاموا بتزويدهم بالسلاح أو بتخويفهم من الأغلبية، وزرعوا في روعهم أن الأغلبية في سورية دواعش، وأنهم سيقومون بقتلهم أو اضطهادهم، وأيضاً يجري تخويف كل طائفة وعشيرة في العراق من الأخرى، وكل قبيلة في ليبيا من الأخرى، وكان على الأقليات أن تفهم المؤامرة، وألا يكونوا أدوات لتدمير بلادهم التي عاش فيها أجدادهم.

وقد شارك بعض المخلصين في هذا الخطأ، فشنوا الهجوم على الآخرين، وشككوا في ولائهم، وطالبوا بإبعادهم عن أي مشاركة فيه، وأخذوا الجميع بجريرة المسيء، ونسوا أن الحوار والتعايش بين الجميع ضرورة، وأن من أساء فإنه يتحمل وحده جزاء فعله، وأنه يجب تعميق الولاء وحب الوطن، وأن الجميع مواطنون لهم سائر الحقوق فيه.

وربما يقول قائل إن المعارضة قد تكون فاسدة أو عميلة أو فوضوية، وقد رأينا كيف حولت المعارضة بعض المجالس التشريعية إلى فوضى وأوقفت التنمية، وطالبت بمشروعات شعبوية مدمرة للاقتصاد والتنمية، وأفسدت الإنسان بالواسطات والمحسوبيات، وهناك أيضاً معارضة تحمل أجندات لمصلحة جهات خارجية. والجواب على ذلك أن هذه الأنظمة الشمولية التي مارست الفساد والقتل والتهجير أما كان يمكنها معرفة الفاسد والعميل من المعارض المخلص؟ خاصة أنها كانت تتحكم في زمام الأمور، وتعلم كل صغيرة وكبيرة، وكل ما يدور في بلادهم، أما كان بإمكانها التعاون مع الوطنيين وخلق قضاء نزيه يميز المعارض المخلص من العميل الفاسد؟

إن حرية إبداء الرأي والمشاركة في القرار والشورى في الحكم هي من عوامل الاستقرار، وتؤدي إلى تضامن المجتمع وحمايته من التفكك وهي ضرورات واقعية، ولذلك أمر الله تعالى بالشورى، ومن الخطأ أن تقتصر الشورى على المؤيدين فقط، وإنما يجب أن تشمل كل صاحب رأي متخصص ورزين، وهذا موضوع بحث ومقال آخر إن شاء الله.