نشرت الصحافة المحلية أخباراً عن نوايا حكومية لتأسيس شركة تحت مسمى شركة الكوت للاستثمار، برأسمال 50 مليار دينار، (نحو 163 مليار دولار)، أو نحو 16 بالمئة من حجم الصندوق السيادي الكويتي.

مستهدفات الشركة لا يمكن الاختلاف عليها، ومن أهمها خلق أكثر من 50 ألف فرصة عمل، ونحن نفترض أنها فرص عمل حقيقية مواطنة ومستدامة، وخفض العبء عن الموازنة العامة بنحو 30 بالمئة، وجلب أو توطين 10 مليارات دينار استثمارات أجنبية ومحلية مباشرة حتى عام 2030، وتحقيق إيرادات بنحو مليار دينار بحلول عام 2030، أو عائد بحدود 2 بالمئة على رأسمال الشركة، ولعله أضعف المستهدفات.

Ad

وأوضح التقرير الأسبوعي لشركة الشال للاستشارات أنه بالعودة إلى مستهدفات رؤية الكويت 2035 السبعة التي أطلقت في شهر يناير 2017، كانت مستهدفات ضخمة ومغرية، كلها من دون استثناء، إما لم تتحقق، أو بات حالها أسوأ مما كانت عليه، لذلك، التنمية بالعناوين البراقة تعمل على تغييب الوعي وإهدار وقت ثمين يصبح معه العلاج عصيّاً وفرص نجاحه أقل.

وقال «الشال» إن أول المحاذير للمشروع هو أنها أموال من المرجح أن تسحب من احتياطي الأجيال القادمة بشكل مباشر أو غير مباشر، وحكمها حكم السحوبات الأخرى، سوف تتيح للإدارة العامة أموالا سائلة معظمها سيُصرف وفق نهج النفقات العامة الحالية، أو النهج التنموي الحالي، لتخسر البلد في اتجاهين، هدر مدخراتها، وتعميق خلل المالية العامة والاقتصاد.

وأضاف «الشال» أن المحذور الثاني هو في وهم خلق أكثر من 50 ألف فرصة عمل خلال خمس سنوات في واقع فيه إدارة عامة تصرف 24.5 مليار دينار نفقات عامة سنوياً، من دون أن تخلق 1 بالمئة من فرص العمل المستحقة الحقيقية، يدعم الفشل المحتمل واقع مستوى التعليم المتدهور، وبيئة عمل حريصة على التواجد الجسدي دون معيار إنجاز. وشدد «الشال» على أن المحذور الثالث هو أقرب إلى الحلم بعيد المنال، وهو جذب استثمار مباشر في حدود 10 مليارات دينار خلال 5 سنوات، في بلد طرد استثمارا مباشرا محليا في السنوات 2019 - 2024 بنحو 56 مليار دولار، مقابل استقبال نحو 4.6 مليارات دولار، كاستثمار أجنبي مباشر، أي بصافي عجز هارب بحدود 51.4 مليار دولار، أي استهداف تحويل ذلك العجز الضخم إلى فائض بحدود 33 مليار دولار في 5 سنوات.

وتساءل: أخيراً، لا نعرف كيف يمكن لمشروع من المتوقع أن يحقق عائداً بنحو 2 بالمئة على الأموال المسحوبة من احتياطي الأجيال القادمة أو المقترضة بضمانه بحلول عام 2030، أن يخفف العبء عن الموازنة العامة بنسبة 30 بالمئة، بينما تلك الأموال تحقق حالياً عائد أعلى؟

وأمل «الشال» أن يكون لدى الإدارة العامة مشروعها النهضوي، و«سوف ندعمه إن وُجد»، وهو مشروع يهتم بالمضامين لا بالعناوين البراقة، بينما يرجّح الواقع، أن حصيلة ولوج مشروع بهذه الضخامة ثم تحقُّق تداعياته وتبعاته، قد تقوض فرصة نجاح أي مشروع نهضوي في المستقبل.

لقد ارتكبت الإدارة العامة، في السابق، خطأ جسيماً كان يمكن تجنبه، عندما أقرت مشروع صندوق المشاريع الصغيرة والمتوسطة بمستهدفاته الخاطئة، وانتقدناه قبل بدايته، وبعيداً عن خسائره المالية التي أتت على معظم رأسماله البالغ ملياري دينار، تكاليف فشله الاجتماعية الإنسانية على المستثمرين وأسرهم باتت أعلى.

وكان تقرير «الشال» من أشد الناقدين في الماضي للمشروعات الشعبوية من كوادر وبدلات وشراء إجازات الموظفين، وغيرها، في زمن كان فيه من النادر نقدها، واليوم لا بُد من التحذير من أن الاندفاع في مشروع تخفيضات جوهرية ومفاجئة لمرتبات موظفي الدولة قد يخلق للمتضررين أوضاعاً مالية وقانونية واجتماعية صعبة، الإجراء التبذيري كان خطأ، وقسوة العلاج خطأ.

وبدأ كثير من العاملين لدى القطاع العام يهربون بتقديم استقالاتهم خوفاً على فقدان مستحقاتهم المكتسبة إن تأخروا، ولا نعلم حجم الضرر المحتمل على صناديق التأمينات الاجتماعية من زيادة تدفقات المتقاعدين، ولا حجم الضرر الذي قد يصيب القطاع المصرفي الذي تبلغ قيمة قروضه الشخصية نحو 19.4 مليار دينار، كما في نهاية الربع الأول من عام 2025، والإضرار به له انطباعات سلبية على أداء كامل الاقتصاد المحلي.

وكرر «الشال» القول: لو أرادت الإدارة العامة تبنّي مشروع نهضوي، فلا بُد لها من الاهتمام بالمضمون لا بالعنوان، ولو أرادت إصلاح خلل مستحق، فلا بُد أن يكون النفع للإصلاح أعلى من تكلفته، واستقرار النظم والقوانين ضرورة لاجتناب القلق وضعف اليقين، وضرورة للحصول على توافق اجتماعي في مشروع النهوض، فالكل شريك بالنفع ومساهم في تكلفته، إن حفظنا عدالته.