تطرّق المقال السابق إلى العديد من الشخصيات المشهورة، التي ترجع أصولها إلى القومية الكردية، إلا أنه في العديد من الأحيان وقع اختلاف في أصول بعض الشخصيات، وأبرزهم الشيخ محمد عبده، الذي نسبه البعض إلى التركمان، وآخرون إلى كردستان، رغم أنه من أعلام مصر المعروفين، وله ما له من دور في حركة الإصلاح المصرية والعربية عموماً.
كانت جوانب من مجهودات الشيخ عبده محاولاته إصلاح الأزهر، ويقول الباحث العراقي مير بصري في كتابه «أعلام الكرد» عن الشيخ محمد عبده (ص 86)، إنه عبّر عن مخاوفه من رجال الدين قائلاً: «لكن دينا قد أردت صلاحه أحاذر أن تقضي عليه العمائم، وكان هذا قبل بروز أحزاب «الإسلام السياسي»!
ومن الشخصيات الكردية خالد بن فخري قوطرش (1912 - 2001)، الذي ولد في أوائل القرن العشرين، ورحل مع ابتداء الحادي والعشرين. ويقول عنه د. نزار أباظة إنه أديب مُربّ باحث من سورية، ولد في دمشق لأبوين كرديين وتعلّم في الكتاتيب وحفظ القرآن الكريم، وتخرّج في المدرسة السلطانية، وأصدر عام 1945 مجلة المعرفة الشهرية التي أوقفها حسني الزعيم بعد انقلابه العسكري عام 1949.
ويضيف أباظة أن قوطرش أرسل في بعثة إلى فرنسا عام 1951، فحصل على دبلوم التربية وعلم النفس من «السوربون»، وانتسب في الوقت نفسه إلى المدرسة العليا للصحافة، فنال شهادتها، وعاد إلى بلاده مفتشاً للتعليم، ثم أرسلته بلاده ملحقاً ثقافياً لسفارتها في باريس، وما لبث أن رحل إلى زئير بإفريقيا عام 1969 خبيراً تربوياً من قبل «يونسكو»، فبقي فيها 6 سنوات يعلّم في دور المعلمين، ثم درس ثانية في فرنسا، ونال شهادة الدكتوراه في التربية عن أطروحة «التعليم في سورية»، ومنذ ذلك الوقت انصرف إلى التأليف والمطالعة حتى توفي بدمشق، تاركاً العديد من المؤلفات الأدبية والتربوية. وقد كتب ذات مرة متسائلاً: «من أنا؟ أنا كردي الأصل، دمشقي المولد والنشأة، عربي الثقافة والقلم، إسلامي العقيدة والتفكير، إنساني الضمير» (إتمام الأعلام جـ 2، د. نزار أباظة - بيروت 2005، ص58).
كانت العلاقات القومية والمذهبية والعشائرية في العالم العربي معقّدة عبر القرون، ونال الكرد منذ زمن صلاح الدين الأيوبي وما بعده تصميما وزيادة من هذا التعقيد، وإن كانت بعض العشائر الكردية تجمع بين الادعاء بأصل عربي واعتزاز بالقومية الكردية، وبعضهم يقول مير بصري (ص 267): «يظهرون حماسة دينية شديدة ويحملون اهتماماً كبيراً للعرب ولغتهم، غير أن بعضهم من الكرد شارك في الغارات وقطع الطرق كما كانت الحال مع غيرهم في مناطق أخرى من المنطقة».
وكان «الهماوند» من الكرد منذ القديم معه - يقول بصري - مشهورين بشجاعتهم وجرأتهم التي لا تعرف الكل، كما كان «الهماوند» منذ القديم متمردين على السلطة الحاكمة»، وقد أعدم الإيرانيون رئيسهم جراتمير خان، لكنهم عادوا بعد شهور واشتد هياجهم عامي 1908 - 1909، فقطعوا الطريق المؤدي الى السليمانية، وهاجموا طابوراً عسكرياً تركيًّا فقتلوا آمره وعددا من الجنود وسلبوهم سلاحهم وملابسهم وحيواناتهم، وعندما اشتعلت الحرب العالمية الأولى عام 1914 أثّرت تلك الحرب في مصائر العرب والترك والكرد.