بعد أسبوع من أعمال عنف غير مسبوقة في محافظة السويداء أوقعت 940 قتيلاً، أعاد الرئيس السوري، أحمد الشرع، نشر الجيش وقوات الأمن الداخلي في المحافظة ذات الأغلبية الدرزية، تزامناً مع توصله إلى اتفاق مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، لوقف إطلاق النار.
ومع انتشار قوات الأمن الحكومية في السويداء لضبط الأمن بدلاً من الفصائل الدرزية المسلحة، أعلن الشرع، أمس، اتفاقاً هو الثالث من نوعه خلال أسبوع لوقف النار بين عشائر البدو التي حشدت نحو 50 ألف مقاتل لمواجهة الفصائل الدرزية، التي تولت الأمن في المحافظة بعد انسحاب الجيش السوري تحت ضغط الهجمات الإسرائيلية، التي شملت القصر الرئاسي، ومقر قيادة الأركان في دمشق، ومواقع عسكرية بالسويداء ودرعا.
وفي كلمة متلفزة، حمّل الشرع إسرائيل مسؤولية الفوضى والدماء التي شهدها الجنوب السوري خلال الأيام الماضية، مؤكداً التزام «الدولة بحماية كل الأقليات والطوائف، وأنها ماضية في محاسبة جميع المنتهكين من أي طرف كان».
وأكد أنه «لن يفلت أي شخص من المحاسبة، ونتبرأ من جميع الجرائم والتجاوزات التي جرت، ونؤكد أهمية تحقيق العدالة وفرض القانون على الجميع»، مشدداً على أن «الاستقواء بالخارج واستخدام بعض الأطراف الداخلية للسويداء كأداة في صراعات دولية لا يصب في مصلحة السوريين بل يفاقم الأزمة».
وثمّن الشرع «الدور الكبير الذي قامت به الولايات المتحدة في تأكيدها الوقوف إلى جانب سورية في هذه الظروف الصعبة، وحرصها على الاستقرار»، مشيداً بجهود دول عربية وداعمته تركيا وأطراف أخرى.
إلى ذلك، أعلن المبعوث الأميركي توم برّاك أن «نتنياهو والشرع، بدعم من الولايات المتحدة، وافقا على وقف إطلاق نار، قبلت به تركيا والأردن وجيرانهما».
ودعا برّاك السكان الدروز والبدو والسُّنة إلى إلقاء أسلحتهم و«بناء هوية سورية موحدة جديدة في سلام وازدهار مع جيرانهم، إلى جانب الأقليات الأخرى».
ووفقاً للرئاسة السورية، بدأ انتشار قوات الأمن الداخلي في السويداء لضبط الأمن، بالتوازي مع تفكيك الفصائل المسلحة، وتسليم السلاح الثقيل، ودمج المقاتلين ضمن مؤسسات الدولة. وأعلنت العشائر والدروز الالتزام بالتهدئة ووقف العمليات العسكرية فوراً.
ووسط أنباء عن تواصل الاشتباكات بين مقاتلين دروز ومسلحين من العشائر، وثّق المرصد السوري مقتل 940 خلال أسبوع.
وأعلنت العشائر العربية التزامها الكامل بقرار رئاسة الجمهورية بوقف إطلاق النار، مؤكدة سعيها لحقن الدماء، وإنهاء حالة الاقتتال، وفتح باب العودة الآمنة والحوار الوطني الشامل.
بدورها، دعمت الرئاسة الروحية للدروز الاتفاق، معلنة ترتيبات جديدة لضبط الاشتباك، بينها «نشر حواجز أمنية خارج الحدود الإدارية للسويداء، ومنع دخول أي جهات إلى المناطق الحدودية مدة 48 ساعة، لإفساح المجال لانتشار القوى الأمنية».
وقالت إنّ «ما تبقى في الداخل من أبناء العشائر في مناطق المحافظة يُسمح لهم بالخروج الآمن والمضمون مع ترفيق مؤمن من الفصائل العاملة على الأرض دون أي اعتراض أو إساءة من أي جانب».
وفي تفاصيل الخبر:
مع كشف مبعوث الولايات المتحدة توم برّاك عن التوصل إلى اتفاق دولي لوقف إطلاق النار بين سورية وإسرائيل، أعلن الرئيس السوري أحمد الشرع، أمس، وقفاً فورياً وشاملاً لإطلاق النار في محافظة السويداء، محذرا من أن «الاشتباكات الأخيرة كادت تُخرج الأوضاع عن السيطرة بالكامل».
وقال الشرع، في ثاني خطاب متلفز خلال 3 أيام: «أحداث السويداء الأخيرة شكّلت منعطفا خطيرا، وكانت قاب قوسين أو أدنى من الانزلاق نحو الفوضى الشاملة، لولا تدخل الدولة ومؤسساتها لتهدئة الأوضاع»، مشددا على أن «الدولة تلتزم مسؤولياتها كاملة، ولن تسمح بتكرار الفوضى أو تحول المحافظات السورية إلى ميادين لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية».
وأكد الشرع، في خطابه، أن الدولة السورية «تلتزم بحماية جميع الأقليات والطوائف، وماضية في ملاحقة كل من شارك في جرائم وانتهاكات، سواء من داخل السويداء أو خارجها». وتبرأ من «كل الجرائم والتجاوزات» التي ارتُكبت خلال الأسبوع الدموي، مشددا على أن «العدل وفرض القانون فوق كل اعتبار».
وأضاف: «لا يجوز أن يُحاسب أبناء طائفة كاملة بسبب تصرفات جماعة ضيقة. إن الدروز جزء أصيل من النسيج الوطني السوري، ووقوفهم إلى جانب الدولة في هذه المحنة دليل على رفضهم لمشاريع التقسيم والفوضى».
وتابع أن «الدولة تمكنت من تهدئة الأوضاع، رغم صعوبة الوضع، لكن التدخل الإسرائيلي دفع سورية إلى مرحلة خطيرة تهدد استقرارها نتيجة القصف السافر للجنوب ولمؤسسات الحكومة بدمشق، وعلى إثر هذه الأحداث تدخلت الوساطات الأميركية والعربية في محاولة للوصول إلى تهدئة الأوضاع».
وتحدث الشرع عن خلفية الأزمة، قائلاً: «خروج الدولة من بعض مناطق السويداء الشهر الماضي، أدى إلى فراغ أمني استغلته مجموعات مسلحة لتصفية حسابات مع أبناء العشائر البدوية، مما دفع بالعشائر إلى التعبئة لفك الحصار عن أهلهم المحاصرين، واشتعلت نيران الانتقام المتبادل».
ولفت إلى أن «الدولة وقفت إلى جانب السويداء بعد تحرير سورية وحرصت على دعمها، إلا أن البعض أساء للمدينة ودورها في الاستقرار الوطني»، مؤكدا أن «الاستقواء بالخارج واستخدام بعض الأطراف الداخلية للسويداء كأداة في صراعات دولية لا يصب في مصلحة السوريين، بل يفاقم الأزمة».
وفي بيان رسمي، أكدت الرئاسة السورية «إيقافاً شاملاً وفورياً لإطلاق النار في محافظة السويداء»، داعية جميع الأطراف إلى الالتزام الكامل ببنود القرار. وشددت على ضرورة «فتح المجال أمام الدولة السورية وقواتها لبسط الأمن، ووقف إراقة الدماء».
وحذرت الرئاسة من أن «أي خرق لهذا الاتفاق سيُعد انتهاكا مباشرا للسيادة الوطنية، وسيتعامل معه بحزم وفقا للدستور والقانون»، مشيرة إلى أن قوات الأمن بدأت فعليا بالانتشار في السويداء ومحيطها «لحماية المدنيين، وتأمين عودة المهجرين، ومنع تجدد العنف».
وارتفع عدد القتلى جراء أعمال العنف في السويداء الى 940 خلال أسبوع، وأحصى المرصد السوري مقتل 326 مقاتلاً و262 مدنياً من الدروز في مقابل مقتل 312 من عناصر وزارة الدفاع وجهاز الأمن العام، إضافة الى 21 من أبناء العشائر البدوية، ثلاثة منهم مدنيون «أعدموا ميدانيا على يد المسلحين الدروز».+
كما أفاد المرصد بأن الغارات التي شنتها اسرائيل خلال التصعيد، أسفرت عن مقتل 15 عنصرا من القوات الحكومية.
وفي ما وصفته بـ «كارثة إنسانية»، وثقت منظمات محلية ودولية «عمليات إعدام، وانتهاكات، وعمليات تهجير، واعتداءات على الممتلكات»، شارك فيها مسلحون من كلا الطرفين.
وشدد مجلس الإفتاء الأعلى في سورية على «حرمة استباحة الدماء والانزلاق في فتنة داخلية»، داعيا إلى التمييز بين المتورطين في أعمال العنف وبقية مكونات المجتمع.
وبدأت قوى الأمن الداخلي أمس الانتشار في عدة مناطق من محافظة السويداء، بعد التوصل إلى اتفاق يقضي بـ «حل الفصائل المسلحة وتسليم السلاح الثقيل، ودمج عناصرها في القوات الرسمية التابعة لوزارتي الدفاع والداخلية»، بحسب ما أكد المتحدث باسم وزارة الداخلية، نور الدين البابا.
وقال البابا إن «المهمة الوطنية الأولى لقوات الأمن هي حماية المدنيين وفرض النظام العام»، مؤكدا أن «العمل جارٍ لتثبيت نقاط تفتيش، وتسيير دوريات أمنية، لضبط التحركات ومنع تجدد الاشتباكات».
العشائر والدروز
من جانبها، أعلنت العشائر العربية في الجنوب السوري التزامها الفوري بقرار وقف إطلاق النار، مؤكدة، في بيان رسمي، أن الدولة وحدها كفيلة بإرجاع الحقوق وحماية الجميع. وطالبت بإطلاق سراح جميع المحتجزين من أبناء العشائر، وتأمين العودة الآمنة للنازحين.
بدورها، أصدرت الرئاسة الروحية للدروز بيانا أكدت فيه «دعم اتفاق وقف إطلاق النار وانتشار قوات الأمن»، وأعلنت ترتيبات جديدة لضبط الاشتباك، بينها «نشر حواجز أمنية خارج الحدود الإدارية للسويداء، ومنع دخول أي جهات إلى المناطق الحدودية لمدة 48 ساعة، لإفساح المجال لانتشار القوى الأمنية».
الشرع ونتنياهو
وفي تطور لافت، أعلن مبعوث الولايات المتحدة الخاص إلى سورية، أمس، التوصل إلى اتفاق دولي لوقف إطلاق النار، تم بموجبه التفاهم بين الرئيس الشرع ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، على تهدئة شاملة في الجنوب السوري، «بدعم أميركي وتبنٍّ من تركيا والأردن ودول الجوار».
وقال المبعوث الأميركي توم برّاك، إن الاتفاق بين نتنياهو والشرع «يمثل خطوة حاسمة نحو السلام»، ودعا جميع الأطراف إلى إلقاء السلاح والعمل على «بناء هوية سورية جديدة وموحدة، تنبذ الطائفية والانتقام، وتؤسس لعلاقات سلام مزدهر مع دول الجوار».
وأعرب الشرع، في خطابه، عن «تقدير سورية العميق» للدور الذي أدته الولايات المتحدة في تسهيل الوصول إلى اتفاق التهدئة، كما ثمّن مواقف الاتحاد الأوروبي، وروسيا، والصين، «التي دانت القصف الإسرائيلي المتكرر لمؤسسات الدولة، ورفضت التدخلات الخارجية التي تهدد وحدة سورية».
وفيما لم تصدر تصريحات رسمية إسرائيلية بشأن تفاصيل الاتفاق، أكدت مصادر دبلوماسية أن «التفاهم جاء بعد ضغط أميركي مباشر على تل أبيب، وتحذيرات من استمرار التصعيد الطائفي داخل سورية».
وكانت طائرات إسرائيلية قد نفذت، خلال الأيام الماضية، غارات مكثفة استهدفت قصر الشعب الرئاسي ومقر قيادة الجيش في دمشق ومواقع قوات الأمن في السويداء ودرعا، بزعم «حماية الدروز»، وهو ما اعتبرته دمشق انتهاكا صارخا للسيادة الوطنية وتصعيدا خطيرا.
ورغم الاتفاق، رأى وزير الخارجية الإسرائيلي، جدعون ساعر، أن الأقليات السورية معرضة «للخطر» تحت حكم الشرع، وكتب على منصة إكس «خلاصة الأمر: في سورية الشرع، أن تكون من الأقليات، الكردية أو الدرزية أو العلوية أو المسيحية، هو أمر بالغ الخطورة». وأضاف: «لقد ثبت ذلك مرارا وتكرارا على مدى الأشهر الستة الماضية»، مؤكدا أن على المجتمع الدولي «أن يضمن أمن وحقوق الأقليات، ويربط قبوله لسورية بحماية الأقليات».
وأصدر ساعر توجيهات بإرسال مساعدات إنسانية بقيمة مليوني شيكل (حوالي 600 ألف دولار) إلى الدروز في السويداء، ستشمل طرودا غذائية ومعدات طبية ومستلزمات إسعافات أولية وأدوية.