«لا يُرْسِلُ السَّاق إلَّا مُمْسِكاً ساقاً»، مثل، وجملة تقال للحريص الذي لا يُقْدم على أمر إلا أعد له عدته، وحسب له ألف حساب، للشخص الذي لا يفعل شيئاً إلا وقد استعد له، إنها نصيحة حميدة بألا تفعل شيئاً لن تستطيع إنجازه.

وقد قالت العرب قديماً عن الحرباء، وهو اسم مشترك للذكر والأنثى، وقد يطلق على أنثاه الحرباءة، إنه دائماً ما يستقبل الشمس برأسه ليقي به جسده، وإذا حميت حرارة الأرض خاف على صدره أن تحرقه لقربه منها، فيصعد إلى عود شجرة، فيلتزمه بيديه، ويجعله بينه وبين الشمس، ولهذا يضرب به المثل في التشبث بما تعلّق به، وذلك أنه إذا تعلّق بعود تشبث به، وقبض عليه فلا يفارقه، حتى يستوثق من العود الآخر، فيضرب به المثل: «أحزم من الحرباء».

Ad

وقيل في ذلك:

بلت بأشْوَسَ مِنْ حِرْبَاء تَنْضُبَة

لا يُرْسِلُ السَّاق إلا مُمْسِكاً ساقَاً

ووصف اليقظ المتحفز بأنه كالحرباء، لأن عيونها تتحرك بشكل مستقل، تترقب بهما الفرائس أو المخاطر، فقيل فيه: «وعينُها لا تنامُ الدهر، ترصدُ ما يَلْفِتُ النظر»

ولكن هناك أمثلة تحذر، بل وتحط من شأن المتشبه بالحرباء في أمور أخرى، فيطلق على المتلون المتقلب الانتهازي بأنه كالحرباء التي تغيّر لونها حسب بيئتها المحيطة بها، فهو شخص ليس أهلاً للثقة، فقيل في الخبيث، المنافق:

وَإِذَا خَلَوْتَ بِالرَّجُلِ الْخَبِيث

فَكَأَنَّمَا خَلَوْتَ بِضَبٍّ وَثِيعِ

يُظْهِرُ لَكَ الْوَفَاءَ وَهُوَ غَادٍ

مِثْلُ الْحَرْبَاءِ يَخْتَلِفُ الْبُرُوق

وقيل في المتقلب المتلون:

حرباءُ دهرٍ تلونتْ

في كلِّ يومٍ لها شأن

تُرِيكَ وِدّاً إذا لاقَتْ

وذاكَ محضُ بهتان

وقيل لمن ليس بأهل للثقة:

لا تَثِقَنَّ في ودادِ امرئٍ

قد باتَ يُشبهُ حرباء

يُبدِي لكَ الحبَّ في وجهٍ

ويُضمرُ الغدرَ في الخفاء

وهناك أقوال أخرى ذكرت فيها الحرباء، منها: «مثل المتشبه بالحرباء مثل العبد لا يملك قراره، يتلون مع كل ريح»، و«من يغير مبادئه مثل الحرباء لا يُؤتمن على حق ولا صداقة»، فهذا على عكس ما حث عليه ديننا الحنيف وأخلاقنا من الثبات على المبادئ والصدق، فهناك استعارات كثيرة للحرباء وصفت بها بعض الصفات البشرية، إن كانت حميدة أو خبيثة.