رغم تعثّر المفاوضات غير المباشرة الجارية حالياً في قطر، واصطدامها بعقدة السيطرة على ممر موراغ الحيوي جنوب غزة، وبشأن سلاح «حماس»، حقق الاتحاد الأوروبي اختراقا في جدار الأزمة الإنسانية، ولاح في الأفق انفراج لقضية إعمار القطاع المدمر.
ومع انشغال العالم بلقاءات رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو والرئيس الأميركي دونالد ترامب ومسؤولي إدارته، توصّل الاتحاد الأوروبي، أمس، إلى اتفاق مع إسرائيل على توسيع نطاق الوصول الإنساني إلى غزة، وفتح نقاط عبور إضافية، تزامناً مع موافقة الاحتلال المبدئية على السماح بتمويل جهود إعادة إعمار غزة.
وكتبت مسؤولة السياسة الخارجية للتكتل، كايا كالاس، على منصة إكس «هذا الاتفاق يعني فتح المزيد من المعابر، ودخول المزيد من شاحنات المساعدات المحملة بالمواد الغذائية وغير الغذائية وإصلاح بنى تحتية حيوية، وحماية عمّال الإغاثة، ونعوّل على أن تنفذ إسرائيل كل الإجراءات التي تم الاتفاق عليها».
ووفق صحيفة يديعوت أحرونوت، فإن إسرائيل وافقت على إشراك قطر ودول أخرى في تمويل إعادة الإعمار، لكنها اشترطت عدم منح الدوحة السيطرة الكاملة على الأموال، مع ضرورة مشاركة دول أخرى في آلية التمويل «لضمان الرقابة والشفافية».
وأوضحت الصحيفة أن موضوع التمويل أثير خلال لقاءات الوفد القطري مع مسؤولين أميركيين بالبيت الأبيض، بالتزامن مع زيارة نتنياهو.
خطوط حُمر
ومع دخول زيارته الثالثة إلى البيت الأبيض يومها الخامس، أبلغ نتنياهو إدارة ترامب بأن لدى إسرائيل خطوطاً حمرا لا يمكن تجاوزها ضمن أي اتفاق على وقف الحرب مع حركة حماس في غزة.
وقبل لقائه الثالث مع ترامب خلال زيارته الطويلة للبيت الأبيض، قال نتنياهو: «نريد التوصل إلى اتفاق بشأن غزة، ولكن ليس بأي ثمن، ونعمل مع أميركا على تحقيق متطلباتنا الأمنية».
وبعد ساعات على تلميح نتنياهو لإمكانية التوصل إلى هدنة 60 يوماً مقابل إطلاق نصف الرهائن الإسرائيليين، مدّد ترامب في اليوم نفسه الإطار الزمني للاتفاق بعض الشيء، وقال للصحافيين، أمس الأول، إنه على الرغم من أن الاتفاق «قريب للغاية»، فإنه قد يتم إبرامه هذا الأسبوع أو حتى الأسبوع الذي يليه، وإن كان «ليس مؤكداً».
ولاحقاً، أعرب وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، عن تفاؤله بشأن اتفاق غزة، مشيراً إلى أن مبعوث الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، سيعقد محادثات غير مباشرة قريباً. وقال: «أعتقد أننا أقرب، وربما أقرب مما كنا عليه منذ فترة طويلة».
وأكد مسؤول إسرائيلي كبير أن إسرائيل و»حماس» قد تتمكنان من التوصل لوقف النار وتحرير رهائن خلال أسبوع أو أسبوعين، لكن من غير المتوقع التوصل إلى مثل هذا الاتفاق خلال يوم واحد. وأضاف أنه إذا وافق الجانبان على مقترح الهدنة 60 يوما، فإن إسرائيل ستستغل هذه الفترة لعرض وقف دائم لإطلاق النار يتطلب من «حماس» نزع سلاحها، وإذا رفضت ذلك «فإننا سنمضي» في العمليات العسكرية.
وعكس عدم توصُّل رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي والرئيس الأميركي حتى الآن إلى موقف نهائي من العدوان المتواصل على غزة منذ 21 شهراً حجم الخلافات الكبيرة وتباين المواقف بصورة لم تنجح مظاهر الوحدة في إخفائها.
وتحدثت الصحف العالمية عن محاولات نتنياهو، الذي يتجه لتمديد زيارته لواشنطن لتشمل عطلة السبت، إخفاء خلافاته مع ترامب خلف مظاهر الوحدة وتعمّد قادته العسكريين تجاهل الحديث عن الثمن الباهظ لمواصلة الحرب في قطاع غزة.
وأكدت صحيفة يديعوت أحرونوت وجود اختلافات واضحة بشأن غزة وإيران والشرق الأوسط، موضحة أنه في حين يتمسّك ترامب بوقف حرب غزة والخيار الدبلوماسي في التعامل مع إيران، يتوعد نتنياهو في كل تصريحاته بالقضاء النهائي على حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، مع إظهار دعمه لمحادثات وقف إطلاق النار، ويدفع باتجاه الخيار العسكري مع طهران.
خلاف إسرائيلي
ولليوم الثاني، شجّع وزير الخارجية الإسرائيلي، جدعون ساعر، أمس، نتنياهو على التوصل إلى هدنة في غزة، ونصحه بـ «تجاهل الضغوط والتهديدات السياسية»، في مسعاه للتوصل إلى «صيغة للإفراج عن الرهائن تعكس رغبة الأغلبية في الحكومة وفي الشعب، وتتوافق مع المصلحة الوطنية».
وفي اجتماع مغلق، وجّه وزير المالية بتسلئيل سموتريتش اتهامات شديدة لنتنياهو بالخيانة، معرباً عن غضبه الشديد من تقديم مفاوضيه خرائط جديدة، تقترح انسحابا جزئيا للجيش من غزة خلال هدنة الـ 60 يوماً.
وقال زميله إيتمار بن غفير: «كلما زاد التفاوض على صفقات متهورة، زادت شهية حماس لتنفيذ عمليات خطف، أوقف المفاوضات وأصدر أوامر بسحقها حتى النهاية»، معتبراً أن «حياة الجنود وسكان الجنوب أهم من أي تطبيع أو اتفاقيات اقتصادية» يدفع بها ترامب.
ووافقت إسرائيل على انسحاب جزئي فقط من محور موراغ، بحسب تقارير أشارت إلى أنها أبدت «مرونة» في الساعات الأخيرة من المفاوضات غير المباشرة.
وأكدت «حماس» موافقتها على إطلاق 10 إسرائيليين من أجل دفع المفاوضات الجارية بالدوحة للتوصل إلى اتفاق شامل ينهي العدوان، مؤكدة أن تركّز على قضايا أبرزها وقف دائم لإطلاق النار، وتدفق المساعدات، وانسحاب الجيش من القطاع.
وأفادت القناة 12 العبرية بأن وزير الشؤون الاستراتيجية، رون ديرمر، التقى ويتكوف ومسؤولا قطريا كبيرا في البيت الأبيض، مساء الثلاثاء في اجتماع «متوتر» تناول الخلافات حول مسألة انتشار قوات الاحتلال في غزة.
وذكرت أن ويتكوف شبّه خريطة الانسحاب الإسرائيلية بـ «خطة سموتريتش»، وأكد أن ترامب لن يقبلها، في حين أوضح المسؤول القطري أنها «غير مقبولة» بالنسبة إلى «حماس»، ومن شأنها عرقلة الاتفاق.
مجزرة وطعن
وفي اليوم الـ 644 من الحرب، ارتكبت القوات الإسرائيلية مجزرة جديدة في مدينة دير البلح، وقتلت أكثر من 20 معظمهم أطفال ونساء، باستهدافها طابور توزيع مكملات غذائية للأطفال في منطقة دوار الطيارة.
وأعلن الجيش الإسرائيلي إصابة 3 من جنوده، اثنان منهم بجراح خطيرة، بنيران قناص تابع للمقاومة في مدينة غزة. وأقر قبلها بخسارة جندي في خان يونس، خلال محاولة لاختطافه قبل قتله، والاستيلاء على سلاحه.
وفي الضفة، أعلن الجيش الإسرائيلي، أمس، إصابة جندي بعملية طعن خلال توغل قواته في قرية رمانة قرب جنين، مبيناً أن «القوات قتلت المهاجم ونقلت الجندي إلى المستشفى لتلقي العلاج».
وفي الخليل، أكد الجيش الإسرائيلي «مقتل حارس أمن وسقوط عدد من الإصابات بدرجات متفاوتة بإطلاق نار في مفترق غوش عتصيون، موضحاً أنه حيّد فلسطينيين اثنين، ويبحث عن مشتبهين إضافيين.
وشنت القوات الإسرائيلية حملة اعتقالات وتحقيق ميداني طالت 30 فلسطينياً على الأقل، بينهم أسرى سابقون، وواصلت اقتحام العديد من البلدات واتخاذ المنازل ثكنات عسكرية، وتحويلها إلى مراكز تحقيق ميداني.