اختتم النجم المصري أحمد حلمي عروض مسرحيته «بني آدم»، بعد 4 أيام كاملة رفعت فيها لافتة «كامل العدد» من دون انقطاع. الجماهير تقاطرت من كل مكان، باحثةً عن الضحكة التي يحملها حلمي، وعن تلك الجرعة المركزة من الترفيه الذكي التي لا يقدِّمها سواه.

وكما افتتح العرض بزخم واضح، اختُتم بأداء متوهِّج شهد حضوراً فنياً وإنسانياً، حيث لم يكتفِ حلمي بتوديع جمهوره، بل خصَّ الفنان عمرو دياب بلفتة خاصة، مهنئاً إياه بإصدار ألبومه الجديد في لحظةٍ صادقة خطفت التصفيق.

Ad

في هذا العرض الذي شهدته جدة كخاتمة لجولة ناجحة، بدا واضحاً أن «بني آدم» ليست مجرَّد مسرحية عابرة. لقد تحوَّلت إلى حالة فنية متكاملة، تُعيد للمسرح بريقه، وتثبت أن الخشبة لا تزال قادرة على منافسة أكثر أشكال الترفيه بريقاً. حلمي، العائد إلى المسرح بعمل جديد في موسمه الثاني، أتى هذه المرة بشخصية «غندور» الشيطان الذي يُعاد تقديمه في صورة رمزية، وإنسانية، فيها ما يكفي من السخرية والدهشة والتأمل. قدَّم أداءً يُحاكي الزمن الذي تغيَّر، ويضع أمام الجمهور مرآة يواجه فيها ذاته، من خلال ضحكة، وموقف، أو جملة مرتجلة.

المسرحية، التي أخرجها هشام عطوة، جمعت بين تقنيات حديثة وروح كلاسيكية، واستثمرت التفاصيل البصرية والسمعية، لتخلق عالماً درامياً شديد الثراء، دون أن تفقد خفة الظل أو روح العرض الحي.

المؤثرات كانت جزءاً من السرد، لا أداة للإبهار فقط. في افتتاحية ذكية حملت تحية لمسرحيات الزمن الجميل، من «مدرسة المشاغبين» إلى «الواد سيد الشغال»، بدا أن العمل يريد أن يقول شيئاً أكبر: المسرح ما زال هنا، حياً.

أسيل عمران، في دور «فرح»، قدَّمت دور شابة تحمل في قلبها مشروع حياة، لكنها تصطدم بروح تعيش في المسرح وتقاوم التغيير. وبين محاولاتها لإحياء الحلم، ومحاولاته لإثبات أنه فوق الزمن، يُولد حوار إنساني لا يخلو من خفة دم. بينهما كيمياء لطيفة، تُترجم على الخشبة إلى مشاهد رقيقة مليئة بالمعنى والضحك.

المسرحية لا تتكئ فقط على أداء حلمي، بل تستند إلى فرقة متماسكة من الممثلين: حمدي الميرغني بخفة ظله المعتادة، ومحمد جمعة بملامحه الحادة وكوميديا سوداء متقنة، ومصطفى خاطر بنبرة القلق والطموح، وإيمان السيد بحضورها الكوميدي المحترف، وياسمينا العبد ببراءة تسكنها طاقة، وعماد رشاد بأداء أبوي يلامس القلب. كل شخصية تضيف لبنة حقيقية في بناء العرض، ولا أحد يظهر كزينة أو رقم زائد.

ما يجعل «بني آدم» مختلفة، تلك الخلطة النادرة بين الجدية والمزاح، والعمق والضحك، والتقنية والمسرح الحي. الجمهور لا يجلس متفرجاً، بل يصبح شريكاً. هناك لحظات يرتجل فيها حلمي جُملاً من وحي اللحظة، تتفاعل القاعة، يردُّ عليهم، يضحكون، يردّ، ويستمر العرض. لا وجود لحاجز رابع، فقط مسرح ينبض كأنه يتنفس.