تنعم الكويت بتاريخ أثري حافل، يحمل معه أسرار الماضي وأمجاده على أرض الكويت قبل آلاف السنين، كما تعكس القطع الأثرية والخرائط والمخطوطات القديمة أوجه التاريخ المضيئة في مجالات تتعلق بالعلوم والفنون والمختلفة، وحول علاقة الفن والآثار التقت «الجريدة» الباحث الأثري د. حامد المطيري الذي حظي مؤخرا بالتكريم عن نشاطه في مجال الحفائر الأثرية من الأمانة العامة لدول مجلس التعاون الخليجي.

الباحث الأثري د. حامد المطيري

Ad

في البداية، أكد د. حامد المطيري أن العلاقة بين الفن والآثار علاقة وثيقة وممتدة عبر التاريخ، معتبرا أن الفنون والآثار وجهان لعملة واحدة، وهو ما يعكس أهمية الفنون المختلفة في حفظ التاريخ وتوثيقه من خلال الحفر والنقش والرسم والتلوين وغيرها من الفنون المختلفة، موضحا أن «الآثار هي المنتج المادي الذي قدمه الإنسان، وهو ما نسميه: الآثار الثابتة والمنقولة، والفن هو ذائقة الإنسان التي صاغ بها هذه المنتجات، فالكثير من اللقى الأثرية المكتشفة بالكويت تحمل جوانب فنية غاية في الإتقان والجمال من حيث التصميم والموضوعات، بل إن الإنسان القديم الذي عاش على هذه الأرض طور من أدواته في أعمال النحت والتشكيل لمناظر دقيقة حفظت لنا على الأختام الدلمونية وعلى الفخار والأواني الحجرية، وواجهات المعابد».

واستذكر الختم المكتشف في موقع الخضر، الذي يحمل تصويراً لشخص يعزف على آلة موسيقية، والذي يعتبر أيقونة فنية جميلة، كما احتوت الأواني الحجرية على أشكال جميلة لأشكال بشرية وحيوانية وأخرى هندسية نفذت بالنحت البارز على نوع من الحجر اللين المستورد من جبال عمان، وكذلك الزخارف النخيلية على واجهة المعبد في الحصن الهلنستي التي نفذت على الحجر لأشكال نباتية عبارة عن أنصاف مراوح مستقيمة وأخرى مقوسة.

وحول أهم الاكتشافات الأثرية بتاريخ الكويت قال المطيري: «تعتبر الاكتشافات الأثرية عملية مستمرة طالما البحث الأثري مازال مستمراً، ولكن ما تم تحقيقه من اكتشافات كفيل برسم خارطة حضارية وتاريخية للكويت عبر العصور، ويعتبر اكتشاف 7 معابد وكنيستين ومسجدين في جزيرة فيلكا من أهم الاكتشافات في منطقة الخليج العربي من منظور الآثار الثابتة، فهذه الاكتشافات تؤكد التنوع الثقافي والحضاري الذي لعبته جزيرة فيلكا عبر العصور، والتي رغم صغرها نسبياً، إذ لا تتجاوز مساحتها 47 كم مربع، تحتوي على هذا التركيز الثقافي الكبير».

وتابع: «يضاف إلى هذه الاكتشافات موقعان من العصر الحجري الحديث في شمال جون الكويت، إضافة إلى المدافن في منطقة الصبية، وهناك نوع آخر من الاكتشافات له دلالات واضحة على أنشطة بشرية متنوعة مارسها الإنسان على هذه الأرض، ففي منطقة الصبية كشف عن نموذج من الطين لأقدم قارب بحري يعود للعصر الحجري الحديث، أي قبل 7 آلاف عام، ومع هذا القارب كشف عن لؤلؤة مثقوبة، كما كشف عن العديد من الصنانير العظمية وأثقال الشباك، مما يعطي انطباعاً بأن الغوص على اللؤلؤ وصيد الأسماك من أنشطة قديمة جداً مارسها الإنسان على سواحل الكويت».

وعن كيفية مساهمة هذه الاكتشافات في معرفتنا بتاريخ الكويت الطويل، ذكر: «قبل 300 عام معظم معلوماتنا المادية عن التاريخ القديم مستمدة من الآثار تحديدا، فهي وثائق مؤكدة لا يرقى إليها الشك في كتابة التاريخ القديم، فقد بدأ الاستكشاف الأثري عام 1958 ومازال مستمراً، ومن خلال الاستكشاف الأثري أمكن التعرف على أن عمر الوجود البشري على أرض الكويت يتجاوز 7 آلاف عام، وأن أرض الكويت كانت مأهولة بالسكان منذ العصر الحجري، وكانت البيئة القديمة لهذه الأرض تختلف عما هي عليه اليوم، فالمياه متوفرة والغطاء النباتي كان كثيفاً، وكان الناس يعتمدون في معيشتهم على الصيد البري والبحري والكثير من الأنشطة البشرية التي كانت قائمة منذ أقدم العصور ومازالت مستمرة حتى اليوم، مثل صيد الأسماك، والرعي، والتجارة البحرية والبرية، وبعضها استمر حتى فترات قريبة قبل اكتشاف النفط، مثل الغوص على اللؤلؤ، وصناعة السفن والأواني المختلفة».