دخلت الجهود الأميركية والقطرية الهادفة إلى إنهاء الحرب المستعرة في قطاع غزة مرحلة مفصلية، مع تزايد المؤشرات على اقتراب التوصل إلى اتفاق شامل لوقف إطلاق النار مدته 60 يوماً، يتضمن تبادل أسرى وضمانات بعدم تجدد القتال.

ورغم التقدم الظاهر في محادثات الصفقة المنتظرة لوقف النار وإعادة الرهائن والأسرى، لا تزال إسرائيل ترفض مطالب الانسحاب الكامل من غزة، وتتمسك بأهدافها المعلنة، وأبرزها القضاء على حركة حماس، رغم الضغوط الشديدة التي يمارسها ترامب على نتنياهو لإعلان الهدنة.

Ad

ووسط إصرار نتنياهو على عدم التراجع وعزمه إطلاق سراح كل الرهائن الإسرائيليين الأحياء والأموات، والقضاء على القدرات العسكرية والإدارية لحماس، أرسل ترامب رسالة إلى الحركة الفلسطينية حملها مستشاره الخاص بشارة بحبح لطمأنتها بأن القتال سيتوقف في جميع الأحوال بانتهاء هدنة الـ60 يوماً المرتقبة إذا التزمت بمسار التفاوض خلال هذه الفترة.

وبحسب البيت الأبيض، فإن المبعوث الأميركي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف أكد في الرسالة ذاتها التزام إدارة ترامب بضمان التمديد التلقائي للهدنة في حال استمرار المفاوضات، مضيفاً أن «الصفقة قد تخلق فرصة تاريخية لتحقيق سلام دائم في غزة».

وفي وقت سابق، أعلن ويتكوف تمكّن إسرائيل وحماس من حل ثلاث من القضايا الأربع العالقة خلال «محادثات تقارب» في الدوحة، وبقي الخلاف الرئيسي وهو الانسحاب.

وأشار ويتكوف إلى أن الأمل لا يزال قائماً في التوصل إلى اتفاق بحلول نهاية هذا الأسبوع. وقال إن «الاختراق ممكن ونعمل على ضمان ألا تتجدد الحرب بعد الهدنة المؤقتة إذا استمرت المفاوضات».

وبعد لقائه الثاني مع ترامب والرابع بينهما خلال 6 أشهر، قال نتنياهو، لشبكة فوكس بيزنس، «نتحدث عن وقف إطلاق نار لمدة 60 يوماً يتم خلالها إعادة نصف الرهائن الأحياء والمتوفين، وأعتقد أن هناك فرصة جيدة والهدنة ستقربنا من أهدافنا».

وأكد وزير خارجية الاحتلال جدعون ساعر أن حكومة نتنياهو جادة في التوصل لاتفاق لوقف النار بغزة وهو أمر يمكن تحقيقه. وقال ساعر، الذي استقال من الكنيست للتفرغ للخارجية، «إذا توصلنا لوقف مؤقت فسوف نتفاوض مباشرة على وقف دائم لإطلاق النار»، مضيفاً: «نريد إيصال المساعدات الإنسانية إلى غزة دون وصولها إلى حماس».

وخلال وجود نتنياهو مع ترامب، عقد وفد قطري رفيع المستوى اجتماعات في البيت الأبيض استمرت أكثر من ثلاث ساعات مع ويتكوف ناقشت تفاصيل «خريطة طريق» تقود إلى اتفاق يشمل إطلاق سراح 10 رهائن أحياء، وتسليم جثث تسعة آخرين، مقابل الإفراج عن عدد غير محدد من المعتقلين الفلسطينيين.

وأكدت صحيفة «تايمز أوف إسرائيل» أن ويتكوف أرجأ زيارته إلى الدوحة، وفضّل البقاء في واشنطن «لأن المفاوضات تمر بمنعطف حساس».

ضغط غير مسبوق

وقالت صحيفة «يديعوت أحرونوت»، نقلاً عن مصادر مطلعة، إن ترامب مارس «أقصى قدر من الضغط» على نتنياهو خلال اجتماعهما الثاني بالبيت الأبيض بحضور نائبه جيه. دي فانس، مشدداً على أن مأساة غزة يجب أن تُحل فوراً وأن الوضع الإنساني فيها بات «لا يحتمل». وذكرت تقارير إعلامية أميركية أن ترامب أبلغ نتنياهو صراحة: «سنتحدث فقط عن غزة، هذا يجب أن يُحسم».

وفي تغريدة على «إكس»، أكد نتنياهو أنه ناقش مع ترامب وفانس «تحرير الرهائن والحملة ضد إيران»، شاكراً ترامب على «دعمه غير المحدود لإسرائيل».

وقال نتنياهو: «ركزنا على الجهود المبذولة للإفراج عن رهائننا، نحن لا نلين ولو للحظة، وهذا ممكن بفضل الضغط العسكري الذي يمارسه جنودنا الأبطال».

وأضاف «الإفراج عن جميع رهائننا، الأحياء منهم والأموات، والقضاء على القدرات العسكرية والإدارية لحماس، لضمان ألا تشكل غزة تهديداً لإسرائيل مرة أخرى».

وقال رئيس الحكومة الإسرائيلية إن الضغط العسكري لا يزال ضرورياً، رغم الثمن الباهظ، بما في ذلك مقتل خمسة جنود إسرائيليين الاثنين في شمال غزة.

وقبيل اجتماعه الثاني بنتنياهو، قال ترامب: «غزة مأساة وجحيم يجب أن يُحلّ. هو (نتنياهو) يريد حلاً، وأنا أريده أيضاً، وأعتقد أن الطرف الآخر يرغب بذلك كذلك». وأكد أن المباحثات بينه وبين نتنياهو تركزت بشكل شبه حصري على سبل إنهاء الحرب والتوصل إلى اتفاق دائم.

إلى ذلك، أعلنت وزارة الدفاع الإسرائيلية ان جرافات من طراز «دي 9»، التي سمحت إدارة ترامب بإرسالها رافعة حظراً كانت فرضته إدارة الرئيس السابق جو بايدن، وصلت بالفعل إلى إسرائيل.

عقبة «موراغ»

ومع تضييق هوة الخلافات، برزت عقبة أخيرة تهدد بتعطيل الصفقة، وهي تمسك إسرائيل بالاحتفاظ بسيطرة عسكرية على «ممر موراغ»، وهو شريط ضيق في جنوب غزة بمحاذاة الحدود المصرية. ووصفت تقارير إسرائيلية هذا الممر بأنه النسخة الثانية من «محور فيلادلفيا»، حيث ترى إسرائيل أنه حيوي لمنع حماس من إعادة التسلّح عبر الأنفاق.

لكن داخل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، ثمّة انقسام حاد حول جدوى الإبقاء على السيطرة في تلك المنطقة، وسط تحذيرات من أن التمسك بها قد يؤدي إلى انهيار مفاوضات الرهائن.

من جانبها، تصرّ حركة حماس على انسحاب الجيش الإسرائيلي إلى المواقع التي كان يتمركز فيها قبل انهيار الهدنة السابقة في مارس الماضي، كشرط أساسي لإتمام الاتفاق.

ونقل موقع «أكسيوس» عن مصدر مطّلع أن محادثات ترامب ونتنياهو يومي الاثنين والثلاثاء ركّزت على خرائط إعادة انتشار الجيش الإسرائيلي في غزة، في ظل مطالبة «حماس» بانسحابه إلى نقاط تمركزه قبل انهيار الهدنة السابقة في مارس، لكن إسرائيل ترفض ذلك.

وفي الدوحة، استؤنفت الجولة السادسة من المفاوضات غير المباشرة بين حركة حماس وإسرائيل أمس وسط حالة من الجمود وعدم إحراز تقدم ملحوظ.

وكشف مصدر أن «المحادثات لا تزال تراوح مكانها»، مشيراً إلى أن السبب الرئيسي لتعطل المسار التفاوضي يعود إلى رفض الوفد الإسرائيلي السماح بدخول المساعدات إلى غزة بشكل حر ودون قيود.

وخلال الجولة الخامسة، أكد الوفد الإسرائيلي تمسكه بـ«الآلية الحالية» لتوزيع المساعدات عبر المؤسسة الأميركية، كما رفض بشكل قاطع الانسحاب من المناطق التي احتُلت بعد 2 مارس.

في هذه الأثناء، دعا المتحدث باسم حركة فتح منذر الحايك «حماس» أمس لتغليب المصلحة الوطنية وإنقاذ مواطني غزة وسحب الذرائع من نتنياهو بالإعلان رسمياً عن قبول المبادرة العربية الإسلامية، وتولي السلطة الفلسطينية الولاية القانونية في القطاع ورفض أي بدائل بالتواجد في اليوم التالي.

وشدد الحايك على دعم «حماس» وتأييدها التوقيع على اتفاق هدنة غزة لحاجة المواطنين لها في ظل الظروف المعيشية الصعبة وحالة التصعيد الخطيرة التي يمر بها القطاع.