في الوقت الذي تتباهى فيه الدول بملاعبها ومنشآتها الرياضية الفاخرة وتتنافس على تنظيم كبرى البطولات، لا تزال الرياضة الكويتية تعاني أزمة «مقار» لا تليق بتاريخها ولا تطلعات شبابها، وإذا كان بودك أن تعرف حال رياضتنا ومدى الاهتمام بها، ما عليك إلا أن تشغل سيارتك و«تاخذ لك لفة» على عدد من الاتحادات والمنشآت الرياضية عندنا، لن أطلب منك أن تلتفت إلى الملاعب الكبيرة أو «الاستادات» اللي بالكاد تستحق اسمها، لأننا إذا قارنّاها بجيراننا، فستصبح أقرب لساحات ترابية في «فرجان» أول. ركّز فقط على بقية الألعاب ومقار الاتحادات، ووقتها ستشاهد العجب العُجاب، وستشعر داخل قرارة نفسك بـ «اللي يفشل ويقص الوجه».
لنأخذ جولة سريعة لمجرد أمثلة: اتحاد المبارزة، يتخذ من «شبرة كيربي» مقراً له، نعم، شبرة! وكأننا نتحدث عن مخزن مؤقت لتخزين معدات، لا مقرّ يُدار منه نشاط رياضي في البلاد حباها الله بخيرات وثروة، أما اتحاد اليد، فمبارياته تُقام في صالة مأخوذة «بوضع اليد»، رغم أنها بالأساس تخص اتحاد السلة والطائرة، فمبناه أقرب إلى منشأة مهجورة، والمكان نفسه لا تتوافر فيه أدنى شروط الاستخدام الآدمي، ومع ذلك يُدار منه اتحاد حقق إنجازات تاريخية قارياً وعالمياً!
ولا ننسى اللجنة الأولمبية الكويتية، التي ظلت سنوات كأنها في «نفي إداري»، انتظروا مبنى جديداً لم يأتِ، وانتقلوا إلى مركز شباب مدينة جابر الأحمد، وقالوا ننتظر المبنى العصري على قدر الطموحات، انتظروا... وانتظروا... وعندما يئسوا، رجعوا مكرهين إلى مقرهم القديم المتهالك في حولي، وعادوا كما كانوا مستضيفين نصف اتحادات الكويت الرياضية في غرف ضيقة وأدوار مزدحمة كأنها عمارة شعبية في زمن التقشف!
هذا المشهد لا يعكس فقط الإهمال، بل يكشف عن خلل بنيوي في فهم أهمية البنية التحتية الرياضية كرافعة لأي تطوير. لا يمكن أن نطلب من رياضيينا المنافسة في المحافل الدولية، بينما هم يتدربون ويُدار نشاطهم من منشآت لا تصلح حتى للزيارات المدرسية!
في كل مرة نسمع وعوداً عن تطوير المنشآت الرياضية وبناء ملاعب عالمية تضاهي ما تملكه الدول المجاورة، نُصفق بحذر، ثم ننتظر... وننتظر... ونظل ننتظر حتى نكتشف أن أقصى ما تحقق هو «مجسم ثلاثي الأبعاد» لملعب لا وجود له إلا على شاشة عرض في مؤتمر صحافي.
الحقيقة أن الحديث عن البنية التحتية الرياضية في الكويت أصبح مملاً، لأنه ببساطة لم يعد هناك جديد. منشآت قديمة، ملاعب مهترئة، مدرجات فارغة من كل شيء إلا الغبار، ومرافق تدريب أقرب إلى ملاعب المدارس في الدول التي تُصنف رياضياً كناشئة، أما الملاعب التي تصلح للاستعمال فهي إما مؤجرة لمناسبات غير رياضية، أو مشغولة في «الصيانة» الأبديّة.
كيف نطلب من لاعب شاب أن يحلم بالاحتراف، وهو يتدرب في منشأة تفتقد لأبسط مقومات اللعبة؟ كيف نقنع المستثمر أن يضع أمواله في نادٍ، والمرافق أقرب إلى أرشيف سبعيني؟ بل كيف نقيم دورياً تنافسياً في أي لعبة كانت والملاعب لا تتحمّل زحمة جولتين متتاليتين؟
بنلتي
الكل يتحدث عن تطور الرياضة، لكن لا أحد يتحدث عن الملعب الذي يُفترض أن يبدأ فيه كل هذا التطور، وكأن الرياضة أصبحت نظرية فقط، تُدار من غرف الاجتماعات، وتُخطط لها استراتيجيات محفوظة في الأدراج.