أقامت رابطة الاجتماعيين الكويتية ندوة بعنوان «حوار من الماضي: التجارة في الكويت»، قدَّمها الباحث في التاريخ وعضو فريق «إكسبو 965» فهد معيوف الشمالي، وأدارها د. سعود المسعود، بحضور رئيس الجمعية عبدالله الرضوان، وعدد من أعضاء الرابطة والمهتمين بالشأن التاريخي والاقتصادي.

وشهدت الندوة تفاعلاً لافتاً من الحضور، الذين أثروا النقاش بمداخلاتهم وتساؤلاتهم، مما يعكس الاهتمام المتزايد بإرث الكويت التجاري ومكانته في الذاكرة الوطنية.

في البداية، قال د. المسعود: «التاريخ ليس مجرَّد أحداث مضت، بل هو مرآة نرى فيها جذورنا، ونستلهم منها حاضرنا ومستقبلنا»، مبيناً أن موضوع الندوة يبيِّن أن التجارة كانت عند الكويتيين في الماضي من أهم أعمدة الحياة الاقتصادية والاجتماعية، وكانت تعتمد على البحر والرحلات البرية.
Ad


وأكد أن الكويتيين كانوا بحَّارة وتجاراً مهرة يجوبون البحار في سفن خشبية مصنوعة محلياً تسمَّى البوم، والبتيل، والجالبوت، والسنبوك، لافتاً إلى أن تجارة اللؤلؤ الطبيعي من أهم وأشهر أنواع التجارة في الكويت، حيث يذهب الرجال في رحلات الغوص، وكانت تستمر شهورا، حيث يتم جمع اللؤلؤ وبيعه لتجار من الهند وفارس وأوروبا. ولفت إلى أن الكويتي في الماضي كان تاجراً بالفطرة، استخدم البحر والصحراء وعلاقاته مع الشعوب المجاورة لبناء تجارة قوية، رغم بساطة الوسائل. وبهذه التجارة عُرفت الكويت كمركز اقتصادي في الخليج.

من جانبه، قال الشمالي: «تشكَّلت ملامح الاقتصاد الكويتي قديماً عبر وجهتين رئيسيتين للنشاط التجاري: البحر والبر»، موضحاً أن البحر من خلال السفن، والبر عبر القوافل التي كانت تعتمد على الجمال السريعة، وتنطلق إلى طرق تجارية رئيسية مثل طريق حلب، وطريق زبيدة، وطريق الحرير، وصولاً إلى آسيا الصغرى وشمال مصر، ومن ثم إلى شمال إفريقيا، وذلك قبل شق قناة السويس.

وأوضح الشمالي أن موقع الكويت الاستراتيجي ساهم في تعزيز دورها كمركز للتصدير، حيث امتلك الكويتيون مهارة التصدير، مما جعل الكويت محطة تجارية مهمة في المنطقة.

وأشار إلى أن شركة الهند الشرقية البريطانية نقلت مقرها من البصرة إلى الكويت في عهد الشيخ عبدالله بن صباح الأول، مما شكَّل نقلة نوعية أسهمت في انتعاش الاقتصاد الكويتي، لافتاً إلى أن الشركة لعبت كذلك دوراً محورياً في تنظيم خدمات البريد آنذاك.

وأضاف أن الأسواق القديمة كانت منتشرة بمناطق متعددة، وكذلك في جزيرة فيلكا، مما يعكس الحركة التجارية النشطة التي كانت سائدة في مختلف أرجاء البلاد.

وفيما يتعلَّق بالتجارة البحرية، أكد الشمالي أنها كانت تمثل ركيزة أساسية للاقتصاد الكويتي التقليدي، حيث اعتمد السكان على الملاحة البحرية لنقل البضائع إلى موانئ بعيدة، مثل: الهند، وزنجبار، وكراتشي، والحُديدة، والمُكلا، وعدن، وسيلان، ونيبال، والبحر الأحمر.

وبيَّن أن صناعة السفن الكويتية شهدت ازدهاراً ملحوظاً، مما يدل على براعة الكويتيين في بناء السفن وقيادتها.

وأضاف أن تجارة اللؤلؤ وصيد الأسماك كانت من أبرز الأنشطة الاقتصادية في تلك الفترة، مشيراً إلى أن «النقع» (الأحواض البحرية) كانت جزءاً أساسياً من البيئة البحرية الكويتية، ومكوناً مهماً في الحياة اليومية للبحارة والتجار.

وفي ختام الندوة، شدَّد الشمالي على أهمية استحضار التاريخ التجاري للكويت كركيزة لفهم الحاضر واستشراف المستقبل، مؤكداً أن ما حققه الكويتيون من إنجازات في مجال التجارة البحرية والبرية يعكس روح المبادرة والطموح التي تميَّز بها أهل الكويت عبر الأجيال.

ودعا إلى مواصلة البحث والتوثيق لهذا الإرث الغني، حفاظاً عليه، وتعريفاً للأجيال الجديدة بدور الكويت الرائد في محيطها الاقتصادي والتجاري على مر العصور.