في ظل تزايد الاتجاه نحو التعددية القطبية وإعادة تشكيل النظام الإقليمي بهدوء، تواصل الكويت توسيع نطاق انخراطها في آليات التعاون متعددة الأطراف. وفي عام 2021، أصبحت الكويت شريكًا في الحوار مع منظمة شنغهاي للتعاون (SCO)، ما فتح لها آفاقًا جديدة لبناء شبكات تفاعل متعددة في قارة آسيا.

وبصفتها دولة شريكة في الحوار، لا تتحمل الكويت التزامات سياسية أو أمنية ثقيلة، ومع ذلك فهي تحصل على نافذة لمراقبة والمشاركة في الشؤون المتعددة الأطراف الآسيوية. ويوفر هذا الإطار فرصًا جديدة في مجالات الاستثمار والطاقة والتكنولوجيا، ويساعد الكويت على صياغة موقف دبلوماسي أكثر فاعلية في خضم إعادة تشكيل المشهد الإقليمي.

Ad

«المسار الكويتي» داخل آليات متعددة الأطراف

تجمع منظمة شنغهاي للتعاون دولًا رئيسية مثل الصين والهند وروسيا ودول آسيا الوسطى، وتُعد اليوم من أكبر المنظمات الإقليمية من حيث عدد السكان واتساع النطاق الجغرافي. وقد توسعت أجندتها من قضايا الأمن إلى الاقتصاد والثقافة والتحول الرقمي والتنمية الخضراء.

وأشار البروفيسور وانغ جيانغ، نائب عميد معهد أبحاث الحدود بجامعة تشجيانغ الصينية، إلى أن الكويت، بصفتها دولة خليجية ذات أهمية، فإن وضعها كشريك في الحوار يُجسد طابع الانفتاح في المنظمة، كما يمنحها دورًا محوريًا كجسر يربط بين الشرق الأوسط وآسيا.

وقال وانغ: «تتمتع الكويت بمزايا في مجال الطاقة وموقع جغرافي استراتيجي، إلى جانب تبنيها سياسة خارجية محايدة، مما يجعلها مؤهلة للمساهمة في تعزيز الترابط الإقليمي، والتعاون الاقتصادي المتعدد الأطراف، ودفع آليات الحوكمة الأمنية».

ويرى الكاتب أن هذه الخصائص «هوية معتدلة، ومنصة فعالة، ومشاركة مرنة»، تجعل من منظمة شنغهاي للتعاون إحدى آليات التعاون ذات القيمة الاستراتيجية في سياسة الكويت الخارجية. وفي ظل البيئة الدولية غير المستقرة، فإن انخراط الكويت في هذا الإطار دون التزامات سياسية أو عسكرية يضعها في مركز تفاعلات آسيا، مما يُعد استثمارًا دبلوماسيًا ذكيًا ومنخفض المخاطر.

انفتاح استراتيجي دون مجازفة

في السنوات الأخيرة، كثفت المنظمة جهودها لتعزيز آلية «شركاء الحوار»، مما وسّع من التفاعل بين الدول الأعضاء وغير الأعضاء، وخفف من الحساسيات السياسية. وبالنسبة لدولة مثل الكويت، التي تميزت دائمًا بسياسة خارجية متوازنة ومحايدة، فإن هذه الآلية تمثل مدخلًا دبلوماسيًا مناسبًا للغاية.

وفي هذا السياق، أوضح المحلل السياسي من الكويت جراح القزاع: «الكويت لا ترى منظمة شنغهاي بديلًا لتحالفاتها الحالية، بل مكملًا استراتيجيًا يُعزز من هامش المناورة الدبلوماسية لديها، ويُسهم في تنويع مسارات التنمية، وتوطيد علاقاتها مع دول آسيوية تملك رؤية واضحة للتكامل الإقليمي».

وشدد القزاع على أن هوية «شريك الحوار» تتماشى تمامًا مع المبادئ الراسخة في السياسة الخارجية الكويتية التوازن والبراغماتية وعدم الانحياز والتواصل الإيجابي مع مختلف الأطراف.

فرص تكامل في الطاقة والتكنولوجيا والاقتصاد الرقمي

انطلاقًا من التعاون في قطاع الطاقة، تُعَد الكويت مؤهلة للاستفادة من فرص جديدة في البنية التحتية الرقمية، والتصنيع الذكي، والإدارة الحكومية الذكية، ضمن مشروع «طريق الحرير الرقمي» في آسيا. وخاصة مع التداخل المتزايد بين «الحزام والطريق» ومنظمة شنغهاي، بدأت دول مثل الصين وكازاخستان وأوزبكستان في إرسال إشارات واضحة بشأن رغبتها في تعزيز التعاون التكنولوجي، وعلى الكويت أن تستغل هذه اللحظة.

ويقول القزاع: «إن الدول الأعضاء في المنظمة، وعلى رأسها الصين والهند، هي من أكبر مستوردي الطاقة في العالم، بينما الكويت من أكبر المصدرين. هذا التكامل بين العرض والطلب يشكل أساسًا لعلاقات اقتصادية أكثر عمقًا واستدامة».

ومن جهته، أشار وانغ جيانغ إلى أن «رؤية الكويت 2035» تتقاطع مع مبادرة «الحزام والطريق» في مجالات البنية التحتية، والموانئ، واللوجستيات، والطاقة المتجددة. وهذا يوفر إمكانات واعدة للتعاون في مشاريع مثل «مدينة الحرير»، وتطوير الموانئ، وتوسيع البنية التحتية الرقمية.

كما أكد القزاع على أهمية متابعة تطور الاقتصادات الرقمية في دول المنظمة، «لأنها تتماشى تمامًا مع استراتيجية الكويت الوطنية للتحول الرقمي والابتكار».

الأمن والحوكمة: أبعاد جديدة للحوار

من المتوقع أن تُعمّق منظمة شنغهاي في المرحلة المقبلة آلياتها للتعامل مع «الأمن غير التقليدي»، بما في ذلك حماية ممرات الشحن البحري، وخطوط نقل الطاقة، والأنظمة الرقمية الحساسة. وإن تمكنت الكويت من الانخراط المبكر في صياغة هذه الآليات، فإنها ستتمكن من تعزيز موقعها ضمن هيكل الأمن الإقليمي.

في هذا الإطار، قال القزاع: «إن التغيرات المتسارعة في المشهد الجيوسياسي تفرض تحديات تتعلق بالإرهاب وغسل الأموال والأمن السيبراني، وهي قضايا أصبحت ذات أولوية قصوى لدول الخليج. ومنظمة شنغهاي تقدم نموذجًا للتعاون الأمني لا يقتصر على الجوانب العسكرية أو الاستخباراتية، بل يشمل تبادل الخبرات في حماية البنية التحتية وإدارة الشبكات الرقمية».

ويرى وانغ جيانغ أن الكويت تملك القدرة على التوسط بين أطراف إقليمية مختلفة، وعلى تعزيز مفهوم الأمن الشامل والمرن. وهذا يتيح لها دورًا محوريًا في أي حوار أمني إقليمي ضمن إطار المنظمة.

التبادل الحضاري وإعادة توازن الرؤية الآسيوية

في السنوات الأخيرة، أبدت الكويت اهتمامًا متزايدًا بتوسيع تواصلها الثقافي في مجالات التعليم والإعلام وحماية التراث. وتوفر منظمة شنغهاي منصة ثقافية قائمة على التعددية والاحترام المتبادل خارج الأطر الغربية التقليدية.

ويقول القزاع: «إن المنظمة تُشجع على حوار الحضارات، واحترام التنوع الثقافي، وهو ما يتناغم مع القيم الكويتية في التعايش والانفتاح، وتعزيز التبادل الإنساني».

آسيا نافذة نحو فرص أوسع

ينبغي للكويت أن تُحول انفتاحها على الشرق إلى تفاعل أعمق ومشاركة مؤسسية أوثق. فمستقبل التنافس العالمي لم يعد في اختيار المحاور، بل في القدرة على بناء جسور التعاون وتحديد روايات المنطقة.

وتُعد منظمة شنغهاي للتعاون منصة استراتيجية تستحق من الكويت استثمارًا طويل المدى، ليس فقط لتعزيز مصالحها، بل لترسيخ موقعها كفاعل متزن ضمن مشهد دولي سريع التغير.