ترأس الفنان رونالد ريغان الولايات المتحدة الأميركية بين عامي 1981 و1989 بعد بدايته كممثل بـ "هوليوود" في دولة عظمى لا تزدري الفنّانين، ليصبح بعدها ممثلاً عن الشعب الأميركي برمّته في حقبة ازدهر بها الاقتصاد الأميركي، وشهد بها الناتج القومي نمواً تاريخياً بلغ 7.2 بالمئة عام 1984، على الرغم من الوزن الثقيل للاقتصاد الأميركي بكونه أكبر اقتصاد عالمي، وبعد نهاية رئاسته، حل ضيفاً في أحد البرامج التلفزيونية عام 1990 (حديث صديقين Two Friends Talk)، متحدثاً بشفافية ووضوح عن سياساته وأفكاره، ولفت انتباهي جوابه بالمقابلة على محور الضرائب، إذ استشهد في بداية هذه الفقرة باستنتاج العالم العربي ابن خلدون قبل أكثر من 650 عاماً، من أن الدول في ازدهارها تكون ذات معدلات منخفضة بعوائد مرتفعة، وفي نهاياتها تكون ذات معدلات مرتفعة بعوائد منخفضة، مؤكداً رسوخ نظرية ابن خلدون في ذاكرته منذ دراسته الجامعية، وهي التي ساعدته في تحقيق أداء اقتصادي مميز لوطنه.

كثيراً ما أتذكر هذه القاعدة الاقتصادية عند قراءتي لقرارات لا مهنية تستهدف نتائج بمعادلة حسابية ركيكة غير خاضعة لمشرطة النقد والتفكير، منها ما قرأناه أخيراً في تبرير اللائحة الجديدة لرسوم أملاك الدولة التي تم ترويجها على أنها سترفع إيرادات الدولة سنوياً من 70 إلى 156 مليون دينار من غير إيضاحات تفصيلية، علماً بأن الشيطان يكمن ويعيش ويرقص في التفاصيل لا في الشعارات البرّاقة، يعيدنا هذا المشهد إلى مشهد آخر عندما تكررت مطالبة مجلس الأمة سابقاً بفرض ضرائب مرتفعة على تحويلات الوافدين بمعادلة حسابية ركيكة افترضت تحصيل الدولة 500 مليون دينار سنوياً (بفرضية أن التحويلات السنوية تبلغ 5 مليارات) ولم تأخذ بعين الاعتبار أن التحويلات في الأساس ستنخفض بشكل كبير جداً، كما سيكون الاقتصاد طارداً أكثر مما هو عليه بالفعل، ومع الأسف أن هذا الاقتراح جاء من اللجنة المالية في مجلس الأمة، من غير إدراك بأن الاقتصاد ديناميكي، وأن المعطيات به ليست ثابتة، تحيا المهنية.

Ad

ولا يقتصر خلط السياسة بالاقتصاد على الكويت، فالعالم مليء بنماذج مماثلة، منها قيام رئيس أميركا بفرض نسب ضريبية/ تعرفة غير منطقية ولا مسبوقة، لمجرد تحقيق كسب سياسي لمغازلة مشاعر الناخب البسيط واعداً إياه بتحقيق إيراد يبلغ 6 تريليونات دولار للخزينة العامة (6,000,000,000,000 دولار فقط لا غير!) ليعود بعدها بأيام متراجعاً، بعد أن ترنح الاقتصادان الأميركي والعالمي بفعل هذه القرارات التي جاءت من رأس مسؤول لا يحتمل أن يسمع رأياً مهنياً مخالفاً له.

ألم يحن موعد إعادة قراءة وإدراك ما كتبه فيلسوف التاريخ الذي سبق عصره بسنوات ضوئية لنسترشد بضوئه في الاقتصاد والاجتماع وغيرهما؟ وإلى أن يهدينا الله إلى ذلك الطريق، هل ستعلن الحكومة الرشيدة لنا - بعد سنة من تطبيق اللائحة الجديدة - النتائج المحققة لخزينة الدولة بشفافية، وما إذا حققت الـ 86 مليون دينار الموعودة؟ عن نفسي أُجيب كما قال ابن خلدون في أحد أشعاره:

إنّي بقولِكَ واثِقٌ.. وبصَرْفِ دهريَ غيرُ واثِقْ.